حوار حول الثالوث المقدس والتجسد والفداء بين الانبا يوساب اسقف جرجا وبين عالم مسلم في القرن الثامن عشر
(الجزء الثاني )
العالم : إنه بحسب تعليمك الأول أن لذات الله نطقاً واحداً فيكون أن كلمة الله التي هي
نطق الذات انتقلت من ذات الأب وحلت في بطن العذراء , ولما كان المسيح موجوداً علي الارض كانت ذات الله بغير نطق وكان الله غير ناطق ؟ , حاشا لله من ذلك . ان القرآن ينقض هذاالقول
الاسقف : ليت شعري لو تصفحت قرآنك حسناً لوجدته يقول عن سيدنا المسيح انه روح الله وكلمته بقوله " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ۖ "<النساء 171> ,,,,,,وقال " إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ < عمران45>
وقد سبق وعرفناكم أن روح الله وكلمته هما النطق والحياة اللذان لذات الله , وهما صفتا جوهر الله , وكتابك يشهد بذلك كما ذكرت لأننا نعتقد أن كلمة الله أخذ جسداً من العذراء بواسطة روح الله وكلمته القدوسين , لذلك قال كتابك ان المسيح روح الله وكلمته .
العالم : حيرتني اذ ذكرت لي قول القرآن هذا الذي كنت اقرأه قبلا بدون وعي فقل لي كيف أنتقلت كلمة الله من الذات الالهية وحلت في بطن العذراء . هل أنتقل النطق من الذات بالكامل ام أنتقل من النطق شئ وبقي منه شئ , أم ولدت الكلمة كلمة من بعض الكلام ؟ فان كانت الاولي فتكون ذات الله بقيت في ذلك الزمان بغير كلمة , وإن كانت الثانية فتكون كلمة الله تجزأت اي أنه أرسل منها جزأً,وان كانت الثالثة فتكون ليست هي كلمة الله بل كلمة من بعض الكلام .
الاسقف : لماذا لا ترفع عقلك من الهيوليات وتخلص من احكام المادة , لماذا تنظر الي الامور الكثيفة والله بسيط لا يتجزأ, كيف تعترف بلسانك ان الله مالئ السماء والارض ولا يخلو منه مكان ومع ذلك تتكلم كلاماً كأنك تنكر به ذلك , فماذا تقول ؟ هل يملأ الله السماء والأرض خالية منه , أم يملأ الارض والسماء خالية منه , ولكن نحن وانتم وكافة العقول البشرية تعتقد ان الله فوق الكل وتحت الكل ويملأ الكل ويتحد بالكل .
ولننظر الي طبيعة النار المخلوقة , فانه ولا واحد من المخلوقات يعرف حقيقة طبيعتها وأين هي ,إن طبيعتها موجودة في الحجر والخشب والحديد وتراب الأرض , وإذا اريد أن يخرج فعلها ظاهراً فيضرب الحجرو الحديد , وإذا أعطيتها مادة هيولية فتظهر فعلا علي قدر ما تجد في مادة الهيولي , فيا تري أليست هذه هي طبيعة النار ؟ نعم هي طبيعتها , ولكن هل هذه كل طبيعة النار ؟كلا بل هي جزء من طبيعتها لأنه إذا كانت هذه هي كل طبيعة النار فعندما نطفئها كان يجب ان يقال إننا أبطلنا كل طبيعة النار , فطبيعة النار موجودة في كل مكان لأن الجزء من الكل يسمي بالكل , ولا نعتقد أننا نمثل بطبيعة النار كل ما نحب أن نتكلم به عن اللاهوت بل نتخذ منها ما ينطبق ونرفض ما يعارض , فمثلاً نجد أن النار تتجزأ والله لا يتجزأ , والنار وإن كانت طبيعتها بسيطة إلا إنها ليست الهاً بل هي عنصر مخلوق . غير اننا نضرب مثلاً لمن يريد أن يفهم كيف أتحدت كلمة الله الأزلية بطبيعتنا المخلوقة اتحاداً طبيعياً وهو انك اذا وضعت ماء في اناء ثم اوقدت ناراً قوية تحته تجد أن بسيط النار يجذب الماء الموضوع في الاناء الي طبع النار , والماء لم يتغير عن ماهيته إذا نظرت اليه تجده ماء ولكن إذا وضعت يدك فيه تجده ناراً , وكل ذي العقول السليمة يعرفون كيفية النار وفعلها لا يتحدان بالمياه لأن طبيعة النار ضد طبيعة المياه , وأما الذي أتحد النار بالماء فليس طبيعة النار بل بسيط طبيعتها.
وذلك الماء الذي أتحد ببسيط النار لا يقال عليه إنه ماء فقط او نار فقط ولا يقال انه ماء ونار بل من الحق الواضح يقال انه ماء ساخن .
وهذا كقولنا في السيد المسيح , حيث اتحدت الكلمة الازلية البسيطة ايضا بانبساطها من الذات الالهية الي الذات الانسانية انبساطاً واحداً ههنا وههنا واتحادها بالطبيعة البشرية كاتحاد بسيط النار بالماء فلا يقال عن المسيح انه إله وإنسان بل إله متأنس.
من اجل هذا نعتقد ونعترف أن المسيح إبن الله لكون الكلمة الازلية أتحدت بالطبيعة البشرية كإتحاد بسيط النار بالماء , وكإتحاد النفس بالجسد الذي لنا , لأن النفس ليست جسما ولا هي قوة في جسم , وليست هي عرضية , بل هي جوهر لطيف قائم الحياة والبقاء وليس هو بمائت بموت الجسد , واذاً اتحدت النفس هذه بل الروح الناطقة الفعلية مع الجسم الحيواني لذلك سمي الانسان حيواناً ناطقاً , ولا يجوز ان تدخل بين اللفظين واو العطف لأنها تبطل معني الأتحاد لا ينبغي أن يقال حيوان وناطق , وهكذا لا يجب ان يقال في السيد المسيح انه إله وإنسان إله متأنس , هذا هو قولنا بل واعتقادنا في المسيح أن كلمة الله البسيطة اتحدت بطبيعتنا البشرية المأخوذة من مريم البتول , من أجل هذا نقول قولا واحداٌ ان المولود من مريم العذراء هو ابن الله , ونقول أن كلمة الله الأزلية هي بعينها المولودة من مريم العذراء في ذلك الزمان .
العالم : هذا كلام حسن ويظهر أن كثيرين من النصاري لا يعلمونه بل يؤمنون فقط إيماناً بسيطاً , غير اني اقول لك انكم حرفتم الأنجيل ودونتم به ما رغبتوه وحذفتم ما لا ترضونه.
الأسقف : كيف تقول ذلك والطوائف المسيحية المختلفة تحفظ انجيلاً واحداً فهل أتحد جميعهم علي تحريفه؟! وهل جمعوا النسخ التي إنتشرت في كل العالم منذ القرن الثاني الميلادي وحرفوها فإنه توجد نسخ من ذلك القرن محفوظة في المكاتب العظمي كالنسخ التي بين أيدينا تماماً , ولو أردنا حذف شئ منه لحذفنا كلمات الإهانة التي تخصنا كقوله "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا."< متي 5 :39,40> وايضا "آية (مت 10: 28): وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ " وقوله "آية (مت 5: 11): طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. " بل كنا حذفنا ما لحق بسيدنا المسيح من اليهود من الأهانة , لأن كل طائفة تشرف معبودها وتجل مقامه و تنزهه عن احتمال الجلد والحبس والصلب واللآلام ولكن حيث انك تجد في الانجيل كل ذلك فهو دليل علي انه سالم كما اوحي به.
العالم : لقد عرفتني بعدم جواز القول في المسيح بأنه إله وإنسان بل إله متأنس وذكرت الأن أنه اهين وعذب وصلب فهل يسلم العقل بأن يصاب ابن الله بمثل ذلك؟
الأسقف : اعلم ان موت سيدنا المسيح مدون في قرآنك حيث جاء في سورة مريم 33 "وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) وقال كتابك ايضا " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ "عمران 55 , اما قولك ان ذلك يبعث علي الكفر لأننا نقول أن ابن الله تألم وصلب ومات فأعلم اننا لا ننسب ذلك الي كلمة الله الازلية بل ننسب آلامه وصلبه وموته الي انسانيته التي اخذها من مريم العذراء فهو تألم بالجسد ومات بالجسد وقام جسده من الموت بقوة الوهيته .
انك تسلم أن ألانسان المركب من الروح والجسد يتألم بجسده لا بروحه ويقبل الاوجاع بجسده لا بروحه , ويموت بجسده لا بروحه ولكن مع ذلك يقال ألانسان تألم , الإنسان مرض , الإنسان مات , الإنسان لم يسمي إنساناً إلا بالروح الناطقة وبغير الروح فهو حيوان فقط , ومن الحق الواضح ان الروح لم تتألم ولم تقبل آلالام بخاصية جوهرها ولكن بخاصية جسدها , هكذا قولنا في السيد المسيح إنه تألم بإنسانيته وإن شئت بجسده وقبل الصلب وآلالام بجسده كما قلنا اولاً.
العالم : وما الذي اضطر المسيح ان يقبل بهذة آلالام ؟ هل انغلب من اليهود ولم يقدر ان يخلص ذاته منهم ام فعل ذلك بإراداته ؟ وإن كان فعل ذلك فما الذي ألجأه الي ذلك؟
الأسقف : أعلم ان سيدنا المسيح قد فعل ذلك بإراداته وأما قولكم فما الذي اضطره الي ذلك فأنت تعلم أمر مخالفة أبينا آدم وصية الله بسبب غواية الشيطان الذي اختفي في جسم الحية وحق عليه الحكم القائل " "آية (تك 2: 17): وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ». " فطرد من الفردوس وبعد ذلك وجد الجنس البشري واصبح العالم تحت سلطة الشيطان يقول القرآن في سورة البقرة " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36)" ومن ثم دبر الله بحكمته الأزلية أن يرسل كلمته الي احشاء البتول " هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" <تك15:3> ليسحق نسل المرأة رأس الحية , واختفي الإله في جسم الإنسان كما يختفي الراعي في جلد الخروف لكي يصطاد الذئب الذي يبدد الغنم .
اختفي الإله في جسم الإنسان لكي يصطاد العدو الذي ترأس الجبلة الأدمية, وقبل الأستهزاء والصلب وآلالام لينوب عن آدم أمام العدل الإلهي من جهة , وليخفي لاهوته عن الشيطان منجهة اخري , ولما رآه الشيطان مصلوباً كأولاد الله حضر اليه عندالصليب إلا انه رأي العناصر برمتها تضطرب فرام الهروب , فسيدنا المسيح لكي يمثل الإنسانية ويقف موقف آدم في جميع الأحوال صرخ " الهي الهي لماذا تركتني" " وانا عطشان"فطمع الشيطان ودنا منه ليشاهد ما يحدث فصرخ المخلص " قد اكمل " ومن ثم قبض علي الشيطان وظفر به وخلص العالم من سلطانه واصبح المسيح هو مالك العالم وسلطان الكون وصار يحق له القول " دفع الي كل سلطان مما في السماء وما علي الأرض"هذا هو سبب قبول مخلصنا آلالام والصلب والموت .
العالم :حقا لقد كنت أظن أن النصاري كفرة مشركون بالله تجعلون له ابناً ويوجبون عليه الولادة والموت , اما الأن فقد علمت أنكم تعتقدون أعتقاداً سليماً في الله .
تعليقات بلوجر
تعليقات فيسبوك