من مذكرات سائح روسى للتدريب على صلاة يسوع
اكتشفت هذه المخطوطة في حيازة أحد رهبان
جبل اتوس في دير القديس ميخائيل عام 1884 و هي لسائح طاف سيبريا في روسيا ووصف كل
ما تعلمه عن الصلاة الدائمة و بخاصة ما أسماه صلاة يسوع علي يد الرهبان المسنيـن
حتي وصل إلى إختبار الصلاة بلا إنقطاع
"اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ
الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ." (أم 18 : 10 )
إنني بنعمة الله مسيحي و اسمي بالسائح الذي
يجول من مكان لاخرلذلك لا أحمل إلا سلة علي ظهري بها خبز يابس و الإنجيل في جراب
علي صدري
ذات يوم ذهبت إلى الكنيسة لأصلي فسمعت هذه
الاية :
" صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ " ( 1 تس 5 : 17 )
و فكرت كيف يمكن أن أصلي
بلا إنقطاع بينما أنشغل بمهام كثيرة لأقوم بقوت حياتي ؟!
مضيت و سمعت عظات كثيرة عن الصلاة و لكني
لم أجد من يتكلم عن كيف ننجح في ممارسة الصلاة الدائمة
لذلك
لم أستفد كثيراً من سماع العظات فإتجهت إلى خطة أخري بأن أمضي إلى بعض المختبرين
لأناقشهم في هذا الأمر تجولت كثيراً و سألت في كل مكان و قيل لي عن إنسان في احدي
القري الروسية يسعي إلى خلاص النفوس فجريت اليه ووجدته و طلبت منه أن يخبرني عما
يقصده الرسول بقوله " صلوا بلا إنقطاع "
و
كيف يمكن ذلك ؟!
فصمت
ثم قال " الصلاة الداخلية الغير منقطعة هي رفع دائم للنفس البشرية أمام
الله.. صلي كثيراً و صلي بحرارة فالصلاة نفسها هي التي ستعلن كيف تستمر بلا إنقطاع
لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت "
إنه
لم يفسر لي كما أريد فإعتراني اليأس و لست أعلم لماذا بدأت لا أنام الليل !
و
مشيت ما يقرب من 125 ميلاً حتي وصلت ديراً سمعت أخباره فعلمت أن هناك أباً محباً
فقصدت إليه و سألته عن كيف ينبغي أن أصلي بلا إنقطاع ؟!
فأجاب
بأن عنده كتاباً للقديس ديمتريوس عن التعليم الروحي للإنسان الداخلي فقرأت فيه
" أن كلمات بولس الرسول – أن تصلي بلا إنقطاع – يجب أن تفهم كإشارة إلى
الصلاة الموصلة للفهم الذي يوصلنا إلى الله"فسألته عن الطريق التي توجه الذهن
إلى الله دوماً فأجابني "إن هذا الأمر صعب حتي علي الذين وهبوا من الله
تلك العطية "
فلم
أستفد شيئاً و إزددت اضطراباً و قضيت الليل عنده ثم عاودت السير مدة 5 أيام
مواظباً علي قراءة الكتاب المقدس
أخيراً قابلت أحد رجال
الدين عند إقتراب المساء و أخبرني انه من دير يبعد عن ذلك المكان 6 أميال و سألني
أن أذهب معه فقلت حسناً يا أبي إنني سمعت في قراءات الكنيسة بأن نصلي بلا إنقطاع و
لكني لم أفهم كيف يمكن ذلك وسط مشغوليات العالم ؟! فأجابني إن هذا الأمر صريح
فينبغي أن نصلي بلا إنقطاع في كل مكان و زمان و ليس فقط وقت المشغوليات العالمية
بل بالأحري أثتاء النوم أيضاً حسب قول الكتاب " أنا نائمة و قلبي مستيقظ "
فدهشت كثيراً و إزدادت غيرتي لكي أفهم
و
استطرد الأب في الحديث و قال " فالصلاة هي أول كل شئ و علي المسيحي أن يتمم
الكثير من الأعمال الصالحة و لكن قبل الكل يجب أن يصلي لأنه بدون الصلاة لا يتم أي
عمل صالح و لن يجد الطريق إلى الرب بدون الصلاة و لن يفهم الحق و لن يقدر أن يصلب
جسده و كل شهواته بغير صلاة و قلبه لن يضاء بنور المسيح كما يعجز عن الإتحاد بالله
ما لم يشرع في الصلاة الدائمة و أقول دائمة لأن طلب الصلاة لا يظهر في طلب أمور
معينة " لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي"
( رو
8 : 26 ) فبالتالي الصلاة المستمرة التي في حدود قوتنا هي وسيلة للوصول إلى قمة
الصلاة كما قال القديس مارافرام السرياني "اهتم بالأم (الصلاة أم الفضائل)
تنتج لك أطفالاً "
إذاً
تعلم أولاً أن تطلب قوة الصلاة حينئذ ستمارس بسهولة كل الفضائل الأخري
ووصلنا إلى الدير أثناء هذا الحديث فسألته
أن يتفضل ليخبرني عن كيفية الصلاة بلا إنقطاع فأدخلني إلى صومعته و أعطاني لأقرأ
في مجلد من أقوال الأباء ثم استطرد فقال " إن الصلاة الغير منقطعة هي
مناداة اسم الرب يسوع بالشفاه و الفكر و الروح مع تكوين صورة عقلية لحضوره الدائم
و الثابت و طلب رحمته خلال كل مشغولية و في كل وقت و في كل مكان حتي أثناء النوم و
تغرس هذه الكلمات يا ربي يسوع المسيح ارحمني فمن يعود نفسه علي ذلك يختبر أعمق
الوسائل التي تزرع الرغبة في أن تدوم الصلاة وسوف تستمر هذه الطلبة دافعه لنفسها
في أعماق قلبه "
و
سألته عن كيفية إكتساب هذه العادة فطلب مني أن أقرأ الكتاب الذي أعطاني إياه لأنه
يوضح الطريق العملي للحياه الروحيه تلك الطرق التي تقود إلى
" الخلاص و العمل الصالح و البهجه "
فسألته
و هل كتابات القديسين أساسية أو أقدس من الإنجيل ؟! فقال بالطبع لا بل هي تشمل
شرحاً واضحاً لأسرار كلمة الله التي لا نستطيع أن ندركها بأعين فهمنا القصيرة
البصر فالشمس أعظم النجوم و لكنك لن تقدر أن تفحصها و تتأمل فيها بدون نظارات
واقية تسطيع من خلال زجاجها المظلم أن تري تفاصيلها كما تشعر بجمالها و تحتمل
اشعتها و الكتاب المقدس شمس لامعة و كتب القديسين هي نظارات روحية نستعين بها
لندرك شمس البر و كماله و جمال كلماته
و
الان اسمع ما كتبه القديس سمعان اللاهوتي عن الصلاة بلا انقطاع " اجلس و في
هدوء و صمت احن رأسك و اغلق عينيك و تصور نفسك ناظراً إلى قلبك و انقل افكارك من
عقلك إلى قلبك و قل مع كل نسمة تخرج منك يا ربي يسوع المسيح ارحمني قلها بتحريك
شفتيك ببساطة أو قلها فقط في عقلك محاولاً أن تدع كل الأفكار الأخري جانباً و كن
هادئاً و صبوراً و كرر هذه الطلبة في أحيان كثيرة " و إذ
فسر لي الاب هذه الكلمات شرعنا نقرأ و نصلي الليل كله ثم مضيت في الصباح إلى
البلدة المجاورة بعد أن باركني و أخبرني بأن أعود إليه ليري مدي تقدمي و لأعترف له
بكل شئ في صراحة لأن التحول الداخلي لا يكمل بدون إرشاد روحي . و لما دخلت الكنيسة طلبت معونة الله ثم شرعت في البحث عن عمل و
مسكن في البلدة لأنه لا يسمح لزوار الدير بالبقاء اكثر من ثلاثة أيام ولأجل عناية
الله بي استأجرني أحد الفلاحين للعمل بحديقته طوال الصيف وأعطاني كوخاً منفرداً
لأسكن فيه
فليتمجد
إسم الله ... لقد وجدت مكاناً هادئاً وعملاً منفرداً فيه بدأت أتعلم من وقت إلى
وقت – خلال الإسبوع – الصلاة الداخلية لكني تعبت جداً في الأول و شعرت بتكاسل
وإعتراني نوم والأفكار الأخري ظلت تحاربني
فمضيت
خازياً إلى أبي الروحي و أخبرته بسوء حالي فحياني في شوق و محبة و قال : " يا
إبني إنها هجمة شيطان الظلمة عليك و لكن عدو الخير لا يستطيع أن يعمل إلا ما يسمح
به الله وفي حدود إحتمالنا فليس أسوأ من أن يشعر إبليس بأننا نصلي فيحاول بكل
الطرق أن يحولك عن تعلم الصلاة الدائمة ... إنه يبدوا لي أنه في احتياج لأن يختبر
اتضاعك أيضاً وعلي قدر إزدياد عاطفتك لتختبر الصلاة من أعماق القلب علي قدر سقوطك
في الطمع الروحي "
ثم
شرع يقرأ لي من أقوال الاباء ما يلي " إن لم تنجح بعد عدة محاولات لتصل إلى
إختبار الحقيقة التي تعلمتها فاعمل ما سأقوله لك و معونة الله ستوصلك إلى مرادك إن
ملكة نطق الكلمات تقع في الفكر فاسمح لهذه الملكة أن تردد علي الدوام هذه الكلمات
"يا ربي يسوع المسيح ارحمني" و اجبر نفسك علي أن تقولها دائماً
فإذا نجحت علي أن تقولها دائماً سينفتح قلبك إلى الصلاة المستمرة
و
استطرد الاب قائلاً "إن هذا هو تعليم الاباء فاطع ارشادي من الان فصاعداً
و
كرر صلاة يسوع ثلاثة الاف مرة في اليوم أثناء قيامك و جلوسك ورقادك و مشيك وعملك و
راحتك قلها بهدوء و بدون اسراع ولا تحاول أن تنقص أو تزيد في العدد والله سيساعدك
و بتلك الطريقة تصل إلى صلاة القلب الغير منقطعة "
فقبلت
هذا الأمر بسرور و مضيت إلى منزلي لكي أنفذه بمنتهي الأمانة والدقة فوجدت الأمر
صعباً في اليومين الأولين و لكن بعد ذلك سهل علي بدرجة أني كلما أتوقف أشعر بما
يدفعني إلى الاستمرار فذهبت إلى أبي فأمرني بالمزيد وأضاف قائلاً " كن هادئاً
و جرب بأمانة و دقة حتي يعينك الله في تدريبك "
و
هناك في كوخي الموحش رددت هذه الصلاة اسبوعاً اخر دون أن أتضايق و تعلمت كيف أركز
ذهني و كيف لا يتشتت عقلي إلى أفكار متعددة و شعرت بإني إذا توقفت عن الصلاة أكون
كمن فقد شيئاً
قابلت
مرشدي و أخبرته عن فرحي و إرتياحي لما اعتاده قلبي و فكري و لساني فمجد الله
قائلاً إنها نتيجة طيبة للمجهود المتواصل والروح اليقظة فتأمل مراحم الله الذي
أعطانا أن ندرب طبيعتنا البشرية
و
الان أطلق لك مطلق الحرية لتصلي كيفما تريد فقط حاول أن تكرس أوقات يقظتك للصلاة و
أن تسلم نفسك – بإتضاع – إلى ارادة الله سائلاً اياه المعونة و اني متأكد أنه لن
ينساك بل سيقودك إلى الطريق المستقيم
و هكذا
قضيت الصيف كله في سلام مع الله و صلاة مستمرة إلى يسوع كما كنت أحلم في ليلي بأني
أصلي و في نهاري لم أكن أشغل نفسي بالناس كثيراً و هدأت كل أفكاري و لم أفتكر في
شئ إلا في الصلاة و إذا ذهبت إلى كنيسة الدير تبدو لي الخدمة الطويلة كأنها قصيرة
غير مملة و تراءي لي كوخي الحقير كقصر عظيم و لم أعرف كيف أعبر عن شكري لله الذي
أرسل لي أنا الخاطئ التائه الهداية و الارشاد و التعزية و السلام القلبي و لم أبق
كثيراً لأستمع إلى تعاليم مرشدي العزيز لأنه رقد في الرب في نهاية الصيف فودعته
باكياً كما انتهي العمل في الحديقة فصرفني الفلاح و أعطاني روبلين كما ملأ سلتي من
الخبز الجاف و شرعت أجوب البلدان مرة أخري و لكن بدون إضطراب لأن الصلاة بإسم يسوع
المسيح قد أبهجت طريقي و بدا لي الناس طيبي القلب معي كأنهم يحبونني
وفكرت
ماذا أفعل بالمال الذي معي بعد أن أصبح لا مرشد لي ونويت أن أشتري كتاب أقوال
الأباء لأتعلم أكثر عن الصلاة الداخلية وبعد بحث حصلت علي نسخة قديمة بما معي من
نقود وأودعتها جرابي مع الإنجيل وغمرتني سعادة الصلاة حتي أني كنت أقطع ما يقرب من
الأربعين ميلاً يومياً بدون تعب
و
إذا هاجمني البرد أنادي بإسم يسوع المسيح فأشعر بالدفء و حين مرضت بالروماتيزم كنت
أصلي بإسم يسوع فأنسي كل الام عظامي و اذا أهانني أحد كان علي فقط أن أفكر في صلاة
يسوع فيتلاشي مني الغضب
و
أصبحت انساناً لم يعد يهتم بشئ عالمي ولا بمصدر مادي ولا يميل بمعيشة العالم
المضطربة به بل كل ما أريد هو أن أصلي و أصلي بلا انقطاع وأن أفرح بالرب كل حين
كدعوة الرسول بولس لكل نفس
و
الان أشكر الله لأنه إذ علمني بوسائل عملية كيف أستمر في الصلاة إلى الله نعم أشكر
الله لأنني الان أفهم معني كلمات الرسول" صلوا بلا انقطاع "
" لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ
السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ "
( أع
4 : 12 )
تعليقات بلوجر
تعليقات فيسبوك