تفسير سفر يوئيل النبي من كتاب أرسلت لي الأنبياء كنيسة السيدة العذراء والملاك غبريال بيجام الجزء الأول

سفــر يوئيــــل النبــي


كلمة عن الكاتب :

كاتب السفر هو يوئيل ابن فثوئيل
لا نكاد نعرف شيئاً كثيراً عن يوئيل النبى ، فهو من الأنبياء الذين يختفون ليظهر ضوء الرب ونوره ، من غير إشارة إلى المشعل الذى يحمل الضوء وإسمه يكاد يشير إلى هذه الحقيقة ، إذ أن إسمه يعنى « الرب هو اللّه » ، غير أن هذا الرجل العجيب ، تتلخص حياته فى كلمة واحدة إذا شئنا الحقيقة : «النصر» فهو نبى النصر.
إذ جاء روح اللّه فى الأرض الخربة ، ليصنع من قلب الخراب نصراً عظيماً... 
ومن الغريب أن هذا النصر يأتى لاحقاً لخراب شامل ، فمطلع نبوته عن الخراب والدمار والهزيمة القاسية ، لكن هذا الخراب قاد الأمة إلى التوبة ، حيث تخرج كنيسة المسيح منتصرة انتصارها الكامل على الشر والخراب فى العالم.
إن قصة هذا الرجل ، ورسالته من ألمع القصص والرسالات التى ينبغى أن نراها ونتأملها. وهو نبي الطقس الكنسي الحيّ غير المنفصل عن البنيان الروحي الداخلي. وكأنه فيما هو يتطلع إلى أورشليم والهيكل والكهنة كان ينظر إلى أورشليم الداخلية والهيكل الخفي والصرخات القلبية... الطقس في عينيه ليس فروضاً محددة تلتزم بها الجماعة وإنما هو جزء لا يتجزأ من حياة الجماعة الروحية وبنيانها في الرب.
يدعى يوئيل "نبي أسفار موسى الخمسة" ، إذا اقتبس من هذه الأسفار حوالي 25 مرة ويُدعى أيضاً : "نبي العنصرة" ، حيث يُقدم لنا الوعد بعطية الروح القدس. فإن كان هذا السفر هو "سفر يوم الرب" ، فإننا بروح الرب نرى ذلك اليوم يوم عرس مفرح ، يوم قيامة أبدية وغلبة على الموت. أما بالنسبة للأشرار فيكون يوم قتام ودينونة أبدية.
وهو من سبط رأوبين وقد تنبأ في زمان أسا بن أبيا بن رحبعام بن سليمان ، ووعظ الشعب وبكتهم ؛ وتنبأ على حلول الرب بصهيون ، وعلى آلامه ، وعلى حلول الروح القدس المعزى على التلاميذ الأطهار في يوم العنصرة ، كما أنبا أنهم يتنبئون ؛ هم وبنوهم وبناتهم ويحلم شيوخهم أحلاماً ويرى شبابهم رؤى ، وتنبأ النبي يوئيل على خروج شريعة الإنجيل من صهيون إذ قال "ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقى وادي السنط " (يوئيل 3 : 18) ، وأبان أن الحروب بعد مجيء المسيح تقوم في الأرض ، وتكلم عن القيامة قبل مجيء السيد المسيح بأكثر من ألف سنة ، وأن الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها وتنيح في شيخوخة صالحة في 21 بابة

قصــة السفـر :


رأى يوئيل النبي الشاعر الرقيق منظر غارات الجراد وقد حطمت يهوذا تماماً ، صوتها مرعب ، ومنظرها قاتم ، ملأت الجو ، فاظلمت السماء ، وإختفت الشمس ، وصار كل شيء كئيبًا ، تحولت الحقول إلى برية ليس فيها ورقة خضراء. وتسلل الجراد من الكوى إلى كل حجرة... وليس من منقذٍ ولا مخلصٍ من هذا الجيش الخطير
وقد رأى النبي يد الله الخفية وقد حركت هذه الجيوش لتحتل كل جرادة مكاناً محدداً لأجل التأديب وإدانة الشر. خلال هذه المشاعر كشف الله لنبيه منظر أمرَّ وأقسى ، وهى غزوات الجيوش الغريبة التي يسمح لها الله بالهجوم على شعبه للتأديب. فإذا لم يسمعوا بلغة الجراد والقحط يحدثهم بلغة الجيوش والقتل والسبي... هذا اليوم هو يوم الرب القادم سريعاً لإدانة الشر، يوم قتام وظلام للأشرار.
لكن الله لا يترك شعبه بلا معين ، فيعلن بالنبي سكب روحه القدوس على كل بشر، ليهييء البشرية ليوم الرب الأخير... يكون معيناً لهم حتى يكون يوم الرب يوم ظلام للأشرار ويوم نور للأبرار
يكشف هذا السفر خطة الله نحو البشرية... يتحدث بكل لغة ، ولا يبخل عليهم بشيء ، بل يهبهم حتى روحه ليهيئهم ليوم لقائهم معه للسكنى معه والتمتع بأمجاده
هذا السفر هو سفر انسكاب الروح القدس على البشر... فإن كان هذا السفر هو سفر "يوم الرب" الذي فيه يدين الخطية والشر، فهو يقدم الروح القدس الناري الذي "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو 16: 8)
إذ رأى النبي منظر الجراد المرعب كنار أحرقت كل ثمر الحقل ، تطلع إلى الخطية ، وقد أفسدت كرم الرب وتينته ، فصار شعب الله في حالة جفاف شديد بلا ثمر، في فراغ ، وأيضاً في حالة كآبة بلا بهجة... لذا صارت الحاجة ملحة إلى عمل الروح القدس الناري الذي يحل على البشرية ، فيردهم إلى حالة الشبع بالله والبهجة به... إن كانت نار الخطية قد أكلت الحقل ، فإن نار الروح القدس ترد القفر إلى فردوس إلهي مثمر وبهيج
إنفرد يوئيل عن بقية الأنبياء بعدم تحديد تاريخ زمني لنبوته ، فلم يذكر أسماء ملوك يهوذا أو إسرائيل المعاصرين له ، لأن نبوته تركزت على "يوم الرب" القادم سريعاً. وكأن الوحي قد أراد أن يعلن أن هذه هي نبوة كل الأجيال ، لتترقب كل نسمة يوم الرب بكونه قريباً للغاية... ولتتأهل له بالروح القدس الساكن فيها ، فتدين نفسها فلا تُدان. لتقبل تبكيت الروح هنا فتنعم بالمجد في ذلك اليوم...

إتسم هذا السفر بالإهتمام بالتوبة بفكر جماعي ، لكن دون تجاهل العلاقة الشخصية التي تربط المؤمن بعريسه السماوي. فكما اشترك الشعب في الشر معاً ، يلتزم بالشركة في التوبة أيضاً
إنه يفتح أبواب الرجاء لكل من يدعو إسم الرب فيخلص
إن كان النبي قد إتسم بقومية صارخة بسبب الظروف المحيطة له. فيصور لنا المجتمع اليهودي كممثل لملكوت الله ، لكنه إذ يتحدث عن عطية الروح القدس لا يقدر أن يقصرها على أمة معينة أو شعب خاص ، فهو عطية الله لكل بشر
من جهة الإسلوب ، فإن لغته العبرية فصيحة وبليغة. إمتاز بسهولة الإسلوب وسلاسته مع وضوح المعنى ودقته. كتب أغلبه بأسلوب شعري رقيق ، زينه بأنواع المجاز الدقيق ولغة تصويرية قوية النبرات


أقسام السفــر :
1. الإصحاح الأول : غارات الجراد.
2. الإصحاح الثاني : غارات الأعداء.
3. الإصحاح الثالث : يوم الرب.




الاصحاح الأول

( غارات الجراد )

غزو الجراد (1-4) :


1 قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي صَارَ إِلَى يُوئِيلَ بْنِ فَثُوئِيلَ: 2 اِسْمَعُوا هَذَا أَيُّهَا الشُّيُوخُ وَأَصْغُوا يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ. هَلْ حَدَثَ هَذَا فِي أَيَّامِكُمْ أَوْ فِي أَيَّامِ آبَائِكُمْ؟ 3 أَخْبِرُوا بَنِيكُمْ عَنْهُ وَبَنُوكُمْ بَنِيهِمْ وَبَنُوهُمْ دَوْراً آخَرَ. 4 فَضْلَةُ الْقَمَصِ أَكَلَهَا الزَّحَّافُ وَفَضْلَةُ الزَّحَّافِ أَكَلَهَا الْغَوْغَاءُ وَفَضْلَةُ الْغَوْغَاءِ أَكَلَهَا الطَّيَّار.

فإن كانت كلمة "فثوئيل" في العبرية تعنى "فتح الله" ، فانه قد أنجب "يوئيل" الذي يعنى: "يهوه هو الله". وكأنه إذ يفتح الله بصيرتنا الداخلية يعلن ذاته لنا. إنه يهوه إسمعوا هذا أيها الشيوخ وأصغوا يا جميع سكان الأرض إن كان النبي يطلب من الشيوخ أن يسمعوا لقول الرب ، فإنه يسأل جميع سكان الأرض أن يصغوا ، فإن الله يود أن يتحدث مع كل البشر بلا محاباة !!
أخبروا بنيكم عنه هذا ويطلب النبي منهم أن يخبروا بنيهم بالأمر، أى بصوت الرب ومعاملاته. لكى يقدموا خبرة حياة للجيل القادم ، هذا هو "التقليد" الذي هو في جوهره "معاملات الله مع بنى البشر". لهذا يقول الرسول بولس : "ما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا" (في 4: 9).
ويسأل الشيوخ قائلاً : هل حدث هذا في أيامكم ؟ والمعنى أن هذا لم يحدث من قبل أن الجراد أكل كل ما هو أخضر، وعلى الشيخ الحكيم أن يحلل لماذا حدث هذا الآن؟ والإجابة بلا شك هي الخطية التي تفشت. فالله هو صانع خيرات ، وهو لا يسمح بضربة مثل هذه إلا بسبب الخطية.
وضربة الجراد هذه كانت ضربة رباعية. القمص هو الجراد عندما يخرج من بيضه عاجزاً عن الحركة. والزحاف هو الجراد عندما يبدأ في الحركة فيمشي والأدق أنه يزحف والغوغاء هو عندما ينبت له جناحان صغيران. والطيار عندما ينطلق ليطير في الجو. ولأنهم أربعة أطوار ورقم 4 يشير للعمومية فهو يشير لأنحاء العالم الأربعة لذلك يمكن تفسير هذه الآية كما يلي :
1. ضربات الجراد بأربعة أنواعه أكلت كل خيرات أرض يهوذا ، فهي ضربة شاملة عامة.
2. هذه المراحل من الجراد تشير لحرب الخطيئة ضدنا وغزوها للقلب. فهي تبدأ أولاً كالثعالب الصغيرة كالقمص تتسلل إلى القلب والفكر والحواس وإذا إستهان بها الإنسان تفسده وإذ يقوم القمص بدوره الخفي ينفتح الباب للزحاف حيث تزحف إلينا خطايا أخرى وهذه تجرنا إلى ما هو أبشع وهذه صورة الطيار التي تنطلق بنا إلى أعماق الهاوية.
3. الله أيضاً في تأديباته له نفس الأسلوب فهو يبدأ بتأديب بسيط فإن لم يتب الإنسان تأتي ضربة أكبر وهكذا.
4. هذا ما حدث مع إسرائيل فقد ضربتها أشور عدة مرات قبل سقوطها النهائي.
5. وهذا ما حدث مع يهوذا فقد سقطوا في يد بابل ثم فارس ثم اليونان ثم أتى خرابهم النهائي ونهايتهم على يد الرومان.


أثار الغارات ( 5-12) :


5 اِصْحُوا أَيُّهَا السَّكَارَى وَابْكُوا وَوَلْوِلُوا يَا جَمِيعَ شَارِبِي الْخَمْرِ عَلَى الْعَصِيرِ لأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْ أَفْوَاهِكُمْ. 6 إِذْ قَدْ صَعِدَتْ عَلَى أَرْضِي أُمَّةٌ قَوِيَّةٌ بِلاَ عَدَدٍ أَسْنَانُهَا أَسْنَانُ الأَسَدِ وَلَهَا أَضْرَاسُ اللَّبْوَةِ. 7 جَعَلَتْ كَرْمَتِي خَرِبَةً وَتِينَتِي مُتَهَشِّمَةً. قَدْ قَشَرَتْهَا وَطَرَحَتْهَا فَابْيَضَّتْ قُضْبَانُهَا.

في بداية الإصحاح سألهم أن يسمعوا ويصغوا. أما وقد حدثت غارات الجراد سألهم أن يصحوا ويتيقظوا عن سكرهم إصحوا أيها السكارى إذ شربوا خمر العالم الذي أفسد عقلهم وحطم حكمتهم الحقة. يليق بهم أن يفيقوا من السكر ليبكوا ويولولوا على ما وصلوا إليه من حرمان !!
لقد سكروا بخمر محبة العالم ، فحرموا أنفسهم من الخمر الجديد ( العصير) الذي هو "الروح القدس" ، الذي به تترنح النفس في محبة الله.
يدعوهم سكارى ، وفي نفس الوقت يطالبهم بالبكاء والولولة على العصير لأنه انقطع من أفواههم. إذ حرموا أنفسهم مما تمتع به التلاميذ في يوم الخمسين (خمر الروح القدس)
في عتاب يقول الرب "صعدت على أرضي" ، فإن ما يحل بنا بسبب خطايانا وإن كان بسماح إلهي لتأديبنا ، ولكنه يعتبر كل ما يمسنا يمس أرضه هو، إذ نحن أرض الله التي أقامها ليسكن فيها البرّ. فما نرتكبه من خطايا يُسيء إلى الله في أرضه. أما عن سرّ قوة هذه الأمة التي بلا عدد فيكمن في فمها
 لنحذر إذن من كلمات إبليس المخادع ، لنهرب منها كما من أسنان الأسد وأضراس اللبوة.
ولكن لم يكن لهم سلطان إلاّ لأننا تهاوننا مع الخطية وأحببنا عطايا الشيطان وتسهيلاته للخطية.
جعلت كرمتي خربة وتينتي متهشّمة يدعو الرب شعبه كرمته وتينته ، فالكرم يقدم العنب الذي يجتاز مع الرب المعصرة ليحمل سمة آلامه ويدخل معه إلى قوة قيامته ، والتينة بغلافها الحلو الذي يضم كميات كبيرة من البذور الرفيعة إشارة إلى عمل الحب والوحدة الذي للروح القدس العذب الذي يضم الأعضاء معاً بلا انعزالية ولا فردية.

فالخطيئة تفقد الكرمة والتينة سمتهما ، أي تحطم عمل المسيح المصلوب والروح القدس فينا.

وامتد عمل الجراد إلى قشرة الساق والفروع . قد قشرتها وطرحتها فابيضّت قضبانها ففقدت قشرتها وصارت قضبانها بيضاء. يا للعجب فإن البياض وهو يُشير إلى النقاوة والطهارة فإن العدو وهو يحاول الخداع يستخدم اللون الأبيض ولكن في حالة البرص علامة النجاسة.
فمادام لنا المسيح شمس البر ملجأ لنا فيه نختفي وهو يسكن فينا نحمل بياضه كالنور، ولكن إن نُزعنا عنه برفضنا إياه نصير قضباناً بلا قشرة تحميه... لها بياض البرص النجس. بياض المسيح يرفعنا إلى السماء حيث السماوي سرّ بياضنا قائم ، أما بياض البرص فيدفع صاحبه إلى خارج المحلة ليعيش منعزلاً ، يشق ثيابه ويكون رأسه مكشوفًا ويغطى شاربيه وينادى: نجس! نجس !

8 نُوحِي يَا أَرْضِي كَعَرُوسٍ مُؤْتَزِرَةٍ بِمِسْحٍ مِنْ أَجْلِ بَعْلِ صِبَاهَا. 9 انْقَطَعَتِ التَّقْدِمَةُ وَالسَّكِيبُ عَنْ بَيْتِ الرَّبِّ. نَاحَتِ الْكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبِّ. 10 تَلِفَ الْحَقْلُ نَاحَتِ الأَرْضُ لأَنَّهُ قَدْ تَلِفَ الْقَمْحُ جَفَّ الْمِسْطَارُ ذَبُلَ الزَّيْتُ. 11 خَجِلَ الْفَلاَّحُونَ. وَلْوَلَ الْكَرَّامُونَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الشَّعِيرِ لأَنَّهُ قَدْ تَلِفَ حَصِيدُ الْحَقْلِ. 12 اَلْجَفْنَةُ يَبِسَتْ وَالتِّينَةُ ذَبُلَتْ. الرُّمَّانَةُ وَالنَّخْلَةُ وَالتُّفَّاحَةُ كُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ يَبِسَتْ. إِنَّهُ قَدْ يَبِسَتِ الْبَهْجَةُ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.

ثم تكشف غارات التأديب الإلهي ما وصلت إليه النفس بسبب الخطية ، فإنها إذ صارت مترملة نوحي يا ارضي كعروس مؤتزرة بمسح ، فقدت إتحادها بالعريس السماوي وعوض ثوب العرس المفرح لها وللسمائيين ، صار لها مسوح الترمل المحزنة ، انقطعت التقدم والسكيب عن بيت الرب فلم يعد يقدر الكهنة أن يقدموا تقدمة أو يسكبوا سكيباً للرب ، إذ لا يقبل تقدمة الأشرار.
فقبول التقدمة والسكيب في بيت الرب علامة الإتحاد بين الله وشعبه المقدس ، أما وقد سقط الشعب في الرجاسات فلا قبول لتقدماته بدون التوبة والرجوع إليه. يقول المرتل: "لأنك لا تسر بذبيحة وإلاَّ فكنت أقدمها ، ذبائح الله هي روح منكسرة "
تلف الحقل نجد أن الثمار قد تلفت أي إنقطعت حتى موارد القوت الأساسية فإما أن ضربة الجراد أتت عليها ، أو أن الحروب والضربات التالية بواسطة جيوش الأعداء ستخرب كل شئ. وروحياً فحين يمتلك إبليس أي نفس تصبح بلا ثمر روحي. فالمؤمن هو حقل الرب فالقمح يشير للخبز الضروري للحياة والمسطار يشير للشراب الروحي 



الذي يعطي بهجة لذلك قد يبست البهجة من بني البشر. والزيت يشير للدواء. فأصبح الإنسان بلا شبع وعطشاناً وبلا علاج لآلامه الجسدية والنفسية.

ولول الكرّامون على الحنطة وعلى الشعير فلا توجد حنطة ولا شعير. الحنطة أكل الإنسان الغني والشعير أكل الفقراء والحيوانات والمعنى أن المصيبة القادمة لن ينجو منها غني ولا فقير. والجوع الجسدي أيضاً يشير للفراغ والجوع الروحي وهذا لا يشبعه سوى الله. لذلك يقدم الله نفسه لنا خبزاً نحيا به وشراباً نفرح به وروحاً معزياً لشفاء الروح. ومن هم الفلاحون والكرامون الذين خجلوا حين رأوا حقولهم بلا ثمر وهم غير قادرين أن يقدموا طعاماً لأحد؟ هم الخدام والكهنة الذين أصبحوا في حالة غير قادرة أن يقدموا شئ ، ففاقد الشئ لا يعطيه.

الرمانة والنخلة والتفاحة كل أشجار الحقل يبست : فالرمّانة تشير للنفس الهادئة الخجولة التي تخجل من خطيتها والنخلة تشير لحياة الإستقامة "فالصديق كالنخلة يزهو". والتفاح يشير للتجسد والمعنى أن النفس فقدت صورة المسيح المتجسد وفقدت البساطة والاستقامة.
كشف الله من خلال تأديباته عن ثمر الخطية المر في حياة شعب :
1. هاجمت أرضه أمة قوية بلا عدد ، أسنانها كأسنان الأسد.
2. صارت كرمته خربة ، وتينته مُتهشمة.
3. فقدت الساق والأغصان قشرتها وصارت بلا حمية.
4. دخلت عروسه إلى حالة ترمل مبكر.
5. إنقطعت التقدمة والسكيب الذي هو علامة رضى الله وفرحه ببيته.
6. فقدت الطعام والشراب والدواء.
7. فقدت سمات الرب وإستقامته ورائحته الذكية.
8. خسرت البهجة الروحية.
والآن يسرع الرب إلى تحويل الدموع والحزن إلى التوبة ، هذه التي يلزم أن يمارسها الكهنة مع الشعب.

3. دعوة الي التوبة ( 13-14) :


13 تَنَطَّقُوا وَنُوحُوا أَيُّهَا الْكَهَنَةُ. وَلْوِلُوا يَا خُدَّامَ الْمَذْبَحِ. ادْخُلُوا بِيتُوا بِالْمُسُوحِ يَا خُدَّامَ إِلَهِي لأَنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ عَنْ بَيْتِ إِلَهِكُمُ التَّقْدِمَةُ وَالسَّكِيبُ. 14 قَدِّسُوا صَوْماً. نَادُوابِاعْتِكَافٍ. اجْمَعُوا الشُّيُوخَ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ وَاصْرُخُوا إِلَى الرَّبِّ.

يوجه حديثه إلى الكهنة خدام المذبح ليقوموا بدورهم القيادي ، لا بالنصح والإرشاد ، وإنما أولاً بممارسة التوبة العملية ، ليكونوا مع الشعب غير منعزلين عنهم.
ونلاحظ قول النبي إلهي ثم قوله للكهنة إلهكم وفي هذا إشارة توبيخ لهم ، فهو إلهه الذي يحبه من القلب ، أما هم فهو لهم إله يعبدونه بمظهرية مكتفين بتقديم التقدمات والسكيب ، كل له نظرة مختلفة لله
وقد أبرز علامات التوبة وملامحها في النقاط التالية :
أولاً: التنطق أو لبس المسوح.
إنه ليس وقت للبس الملابس الكهنوتية الثمينة والبهية ، إنما هو وقت للتمنطق بالمسوح حتى يرق الله لشعبه.
ثانياً: النوح والولولة.
فيليق بالكاهن ألا يطلب دموع اخوته وأولاده الروحيين وهو جاف في مشاعره ، إنما يمارس ما يطلبه منهم.
ثالثاً: تقديس صوم لهذا الغرض
 فالتوبة تمس كل حياة الإنسان ، خاصة الكاهن ؛ تنهدات قلبه وصراخ فمه وملابسه وأيضاً بطنه. وكأن الإنسان يتحدث مع الله معلناً توبته بكل وسيلة ، فتتساند تصرفاته معاً للإعلان عن شوقه إلى الرجوع إلى الله.

رابعاً: المناداة باعتكاف


هكذا يعلن النبي الإلتزام بالمناداة بإعتكاف ، أى بالإحتفال الجماعي للتوبة ، فكما إشتركت الجماعة معاً في الشر، هكذا تشترك في التوبة.
إن كان الكاهن يمثل العمل القيادي في الإنسان فإنه يليق بهذه القيادة أن تنادي بالإعتكاف وتجميع شيوخ جميع سكان الأرض ؛ أي يجمع الإنسان كل أحاسيسه وطاقاته وقدراته وكأنها شيوخ الأرض أى العاملون في الجسد ، لكي يقدم الإنسان توبةً نابعة عن كل تصرفاته وإمكانياته الروحية والنفسية والجسدية. ليجتمع الكهنة مع سكان الأرض في بيت الرب ، أى لتعمل الروح بطاقاتها مع الجسد بطاقاته تحت قيادة الرب ، ويصرخ الإنسان بكليته إلى إلهه. 

وليتم الإعتكاف في بيت الرب إلهنا ، فنهرب من غضب الله باللجوء إليه ، والاحتماء في محبته الحانية وطول أناته.

الحاجة الي شفيع ( 15-18) :



15 آهِ عَلَى الْيَوْمِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ. يَأْتِي كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 16 أَمَا انْقَطَعَ الطَّعَامُ تُجَاهَ عُيُونِنَا ؟ الْفَرَحُ وَالاِبْتِهَاجُ عَنْ بَيْتِ إِلَهِنَا؟ 17 عَفَّنَتِ الْحُبُوبُ تَحْتَ مَدَرِهَا. خَلَتِ الأَهْرَاءُ. انْهَدَمَتِ الْمَخَازِنُ لأَنَّهُ قَدْ يَبِسَ الْقَمْحُ. 18 كَمْ تَئِنُّ الْبَهَائِمُ! هَامَتْ قُطْعَانُ الْبَقَرِ لأَنْ لَيْسَ لَهَا مَرْعًى. حَتَّى قُطْعَانُ الْغَنَمِ تَفْنَى.

إذ يجتمع الكهنة مع الشيوخ في بيت الرب ينوح الكل مولولين لإدراكهم ما قد فعلته الخطية فيهم ، مترقبين ذاك الذي وحده يقدر أن يشفع فيهم بدمه الكفاري ، فينقذهم من الغضب الإلهي في ذلك اليوم الرهيب يوم الرب. لقد أبرز النبي هذين الأمرين المتكاملين: إدراك ما وصلنا إليه من مرارة ورعب قبالة يوم الرب ، والحاجة إلى شفيع قادر على مصالحتنا مع الله.
لأن يوم الرب هو يوم خراب عظيم يراه النبي يقترب جداً
في إختصار صرنا في حالة جوع ، إذ إنقطع الطعام تجاه عيوننا ، فإنه لن تشبع بآخر غير الله نفسه الذي خُلقت على صورته ومثاله.
يسمعه يقول: "أنا هو خبز الحياة ... أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد
انقطع الطعام وزال الفرح والإبتهاج عن بيت إلهنا فصارت النفس في حالة كآبة ، بل صارت في موت لا تستطيع القول: "أنيّ ابتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي"... لأنها عزلت نفسها بنفسها عن الله مصدر بهجتها فالنفس التي تشعر بكآبة عليها أن تقدم توبة سريعاً.
قد صارت النفس في حالة خراب بلا ثمر روحي ، فعفنت الحبوب تحت مدرها والمدر هو قطع الطين اليابس التى يضعوا الحبوب تحتها فعفنت الحبوب من الحرارة الشديدة فلا أمل فى المحصول القادم ، وخلت الأهراء (أي المخازن) انهدمت المخازن ، وصارت بلا رجاء... حتى البهائم تئن ، قطعان الغنم تفنى. بالخطيئة يفقد الإنسان حتى الأمور الجسدية التي من أجلها إرتكبها.

صراخ الى الله ( 19-20) :


19 إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ لأَنَّ نَاراً قَدْ أَكَلَتْ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ وَلَهِيباً أَحْرَقَ جَمِيعَ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. 20 حَتَّى بَهَائِمُ الصَّحْرَاءِ تَنْظُرُ إِلَيْكَ لأَنَّ جَدَاوِلَ الْمِيَاهِ قَدْ جَفَّتْ وَالنَّارَ أَكَلَتْ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ.

الآن بعد إدراك ما وصلنا إليه من لعنة حلت بنا وبالأرض ونباتاتها وحيواناتها تدخل يوئيل كشفيع ، أو بمعنى أدق كرمز للشفيع الحقيقى يسوع المسيح ، الذي وحده يصرخ إلى أبيه فيستجيب له
هذا هو الشفيع الذي يسكن القلب "أورشليم الداخلية" فيصنع صلحاً للنفس والجسد بكل طاقاتهما مع الآب.
شاركه على جوجل بلس

عن telecom engineer

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك