تفسير سفر يوئيل النبي من كتاب أرسلت لي الأنبياء كنيسة السيدة العذراء والملاك غبريال بيجام الجزء الثاني


الإصحاح الثاني
( غارات الأعداء )


1. الخراب المدمر( 1-11) :
1 اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ. صَوِّتُوا فِي جَبَلِ قُدْسِي. لِيَرْتَعِدْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ لأَنَّهُ قَرِيبٌ. 2 يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ. يَوْمُ غَيْمٍ وَضَبَابٍ مِثْلَ الْفَجْرِ مُمْتَدّاً عَلَى الْجِبَالِ. شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ نَظِيرُهُ مُنْذُ الأَزَلِ وَلاَ يَكُونُ أَيْضاً بَعْدَهُ إِلَى سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 3 قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. الأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدْنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ. 4 كَمَنْظَرِ الْخَيْلِ مَنْظَرُهُ وَمِثْلَ الأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. 5 كَصَرِيفِ الْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ يَثِبُونَ. كَزَفِيرِ لَهِيبِ نَارٍ تَأْكُلُ قَشّاً. كَقَوْمٍ أَقْوِيَاءَ مُصْطَفِّينَ لِلْقِتَالِ.

كان الضرب بالأبواق من صميم عمل الكهنة ، تُضرب عندما يتحرك الموكب في البرية ، وعند الإعلان عن حرب ، وفي مسح الملك ، وعند الإحتفال بالأعياد إلخ... وكان البوق فضياً يُشير إلى الوصية الإلهية أو الكلمة الإلهية ، التي تعمل في النفس أثناء جهادها وحربها ضد الخطية وتملأها فرحاً وبهجة مع كل عمل إلهي داخلي.
ويأمر الله بضرب البوق في صهيون ليس لأن أمة معينة تهاجم صهيون ، وإنما لأن يوم الرب قادم فترتعد جميع سكان الأرض..  إنه يوم قريب
إن كان يوم الرب بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين هو يوم عرس مبهج ومنير حيث يتقدم العريس ليلتقي بعروسه التي تضيء كالقمر بنوره ، فإنه بالنسبة للأشرار يوم ظلام وقتام ، يوم غيم وضباب ، إذ لا يقدرون على معاينة الرب في مجده وبهائه ولا التمتع بأسراره.
وحدث مرّات عديدة في هجمات الجراد على عدة بلاد أن إظلمت مدناً بأكملها إذ حجب الجراد نور الشمس من كثرته وسوف يتكرر هذا المنظر في هجوم جيوش الأعداء فسيظلم الجو من التراب الذي ستثيره كثرة جيوشهم.
وبنفس الصورة يتحقق الأمر بالنسبة للأشرار في يوم الرب العظيم حيث يأتى ليدين المسكونة ، فيكون لهم قتاماً وظلاماً بسبب ما حملوه في داخلهم من قتام الخطية وظلمتها فتحجب عنهم معاينة بهائه.
ولعل الظلام والقتام يشيران إلى ما حل بالنفس من مرارة وضيق أثناء التأديب ، فتسود عيني الإنسان ونظرته إلى الحياة.
مثل الفجر ممتدا على الجبال وكما أن نور الفجر يظهر أول ما يظهر على قمم الجبال ثم يمتد ليغمر الأرض كلها ، هكذا ضربة العدو ستمتد للأرض كلها. وكما أن الفجر يأتي بالتأكيد هكذا مجيء العدو.
قد يبدو التأديب قاسياً لكنه مطلوباً لخلاص النفس فهو يفضح عمل الخطية فينا. إذ تحول جنتنا الداخلية إلى قفر.
قدامه نار تأكل وخلفه لهيب يحرق ويُصوَّر العدو هنا كأنه ينفخ ناراً وهو قادم ، ويفترس من خلفه وهذه النار لا يمكن أن يقوى عليها إلاَّ نار الروح القدس ، الذي يحول القفر الخرب إلى فردوس مبهج. فبنار الروح القدس تُباد نار الخطية.
لا يقف الأمر عند كثرة العدد إنما يُرعب عيوننا بمنظره ، آذاننا بصوته ، العيون التي استطابت الخطية مسترخية في جهادها الروحي يرعبها التأديب الإلهي فتراه كخيل عنيف ، ليس من يقدر أن يقاومه وكفرسان يركضون فليس وقت للرخاوة أو التباطؤ. صوته مرهب وعنيف للغاية كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون كأصوات المركبات التي تبلغ إلى رؤوس الجبال ، ليس من يفلت منها
وهم لن ينكسروا قبل أن يحقق الله هدفه كقوم أقوياء مصطفين للقتال فهناك خطة محكمة للغاية وضعها العدو، ولكن بسماح من الله ، ليأتي هذا العدو ويُدمّر كل شئ. وكما يأتي الجراد في أفواج منظمة هكذا ستأتي جيوش العدو.

6 مِنْهُ تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ. كُلُّ الْوُجُوهِ تَجْمَعُ حُمْرَةً. 7 يَجْرُونَ كَأَبْطَالٍ. يَصْعَدُونَ السُّورَ كَرِجَالِ الْحَرْبِ وَيَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرِيقِهِ وَلاَ يُغَيِّرُونَ سُبُلَهُمْ. 8 وَلاَ يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. يَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِهِ وَبَيْنَ الأَسْلِحَةِ يَقَعُونَ وَلاَ يَنْكَسِرُونَ. 9 يَتَرَاكَضُونَ فِي الْمَدِينَةِ. يَجْرُونَ عَلَى السُّورِ. يَصْعَدُونَ إِلَى الْبُيُوتِ. يَدْخُلُونَ مِنَ الْكُوى كَاللِّصِّ. 10 قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَالنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا. 11 وَالرَّبُّ يُعْطِي صَوْتَهُ أَمَامَ جَيْشِهِ. إِنَّ عَسْكَرَهُ كَثِيرٌ جِدّاً. فَإِنَّ صَانِعَ قَوْلِهِ قَوِيٌّ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدّاً فَمَنْ يُطِيقُهُ؟

ولن تقف كل أسلحة إسرائيل ضدهم فتحمر وجوه بني اسرائيل من انعكاس الحرائق عليها ولأن الله سمح لهم بالهجوم ، فلن يقف السور حائلاً دون تنفيذ خطة الله بل نجدهم يصعدون السور أي يجرون على السور ، لكن لأولاد الله فالله لهم سور من نار.
رأي النبي الجراد يهاجم كل شئ ويملأ المنازل ويدخلون من الكوى كاللص أي الشرفات ، فإمتد نظره لجيش الأعداء القادم الذي سيصل إلى داخل المنازل ولن يمنعه أي سور، ولا الإحتماء في أي مكان. ومن يكلفه الله بمهمة يعطيه القوة لتنفيذها
هذه هي ذات العلامات التي قدمها السيد المسيح نفسه عن مجيئه الأخير، هي علامات مرعبة للخطاة الأشرار... يسمح الله للطبيعة أن تهتز أمامهم وترتجف ليدركوا ماذا تفعل الخطية بالطبيعة فيستعد الخطاة بالتوبة لملاقاة الرب.
لذلك نقول أن التاديبات الزمنية رمز ليوم الله الأخير ودينونته وأن لم نفهم التأديب سيجئ هذا اليوم ويكون لنا يوم رعب.
والعجيب أن الله يعتبر الجيش المقاوم لشعبه جيشه نجده قائلاً والرب يعطي صوته أمام جيشه ، لأنه هو الذي سمح له أن يقوم بالتأديب ، فصار عصاه للتأديب ولكن إلى حين.
ولكن لماذا تظلم الشمس والقمر في ذلك اليوم؟ الإجابة كما حددها الآباء.. أن هذا سيكون بسبب ظهور نور شمس المسيح.

دعوة الي التوبة (12-17)
12 وَلَكِنِ الآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: «ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ». 13 وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤوفٌ رَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ. 14 لَعَلَّهُ يَرْجِعُ وَيَنْدَمُ فَيُبْقِيَ وَرَاءَهُ بَرَكَةَ تَقْدِمَةٍ وَسَكِيباً لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ. 15 اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ. قَدِّسُوا صَوْماً. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ. 16 اِجْمَعُوا الشَّعْبَ. قَدِّسُوا الْجَمَاعَةَ. احْشُِدُوا الشُّيُوخَ. اجْمَعُوا الأَطْفَالَ وَرَاضِعِي الثُّدِيِّ. لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ مِخْدَعِهِ وَالْعَرُوسُ مِنْ حَجَلَتِهَا. 17 لِيَبْكِ الْكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبِّ بَيْنَ الرِّواقِ وَالْمَذْبَحِ وَيَقُولُوا: «اشْفِقْ يَا رَبُّ عَلَى شَعْبِكَ وَلاَ تُسَلِّمْ مِيرَاثَكَ لِلْعَارِ حَتَّى تَجْعَلَهُمُ الأُمَمُ مَثَلاً. لِمَاذَا يَقُولُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ: أَيْنَ إِلَهُهُمْ؟».

إذ كشف الله بتأديباته عن فاعلية الخطية في النفس والجسد ، فتح الله أبواب الرجاء لشعبه على مصراعيه حتى لا يسقط أحد في اليأس
فكل هذا التأديب بسبب أن الله يطلب هذه التوبة ، ولكي يقنعنا بخطايانا
وفي هذه الدعوة يعلن الآتى :
1. التوبة في جوهرها هي "رجوع إلى الله"... ليس مجرد ندامة على الخطية أو توقف عن الإثم ، إنما في إيجابيتها رجوع إلى الأحضان الإلهية
لهذا يؤكد الله سماته الخاصة بعلاقته بنا أنه رؤوف رحوم بطيء الغضب وكثير الرحمة
وإذا رجعنا نجد الأحضان الأبوية التي لا تغلق قط امام الراجعين. وحين نرجع إلى الله نكتشف أن التأديب الذي فكرنا أنه كان شراً ، كان خيراً لنا
2. الرجوع بكل القلب : كثيرون يرجعون إلى الله وقت الضيق لكن ليس بكل القلب ، فإذا ما رُفع الضيق عادوا فوراً إلى شرهم الأول ، وربما إلى حال أشر، كما كان فرعون الذي دعا موسى وهرون وسألهما أن يصليا عنه وعن شعبه ، فيطلق الشعب ليذبح للرب.
لكن " لما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج أغلظ قلبه ولم يسمح لهما كما تكلم الرب "
ليكن رجوعنا إلى الله بكل القلب ، يسندنا في ذلك الصوم والبكاء والنوح... وكأن الجسد يشترك مع النفس في الرجوع إلى الله ، معلناً ذلك بالصلاة والصوم والدموع
ومعنى مزقوا قلوبكم أن الله يطلب توبة بحزن حقيقي على خطايانا وبصوم وبكاء.
3. لعله يرجع ويندم : لا يعني عدم اليقين ، وإنما علامة الوقوف أمام الله بتذلل وإنسحاق ، مترجين رحمته ، فالله يطلب في توبتنا الإتضاع.
يندم لا بمعنى تغيير فكر الله ، وإنما بمعنى الحب ، كالأب الذي يؤدب ابنه بحزم متظاهراً بالقسوة لعل ابنه يعود إليه ، فيعود إلى ابنه. إنه حتى في لحظات حزمه لا يحتمل دموع الابن. وعلامة ندمه أنه يترك وراء التأديب بركة لا غضباً ، فيقبل من ابنه بركة تقدمة وسكيباً علامة رضاه عنه وقبوله.
وتعود ثمار الأرض والكروم التي منها يقدمون تقدمة وسكيب ، وهذا في نظر النبي هو أعظم بركة تعود على الشعب ، أن يعود ويقدم للرب تقدمة وسكيب فتنسكب أفراح الرب داخل نفس من يقدم. هذا أكثر ما يفرح التائب الحقيقي أن يعود يقف أمام الله وتعود علاقة المحبة بينه وبين الله.
4. قدسوا صوما نادوا بإعتكاف. إجمعوا الشعب : يطلب الله هنا منهم توبة جماعية يشترك فيها الكهنة والشيوخ والأطفال بل حتى العريس والعروس فهذا ليس وقت أفراح عالمية والخطر قادم.
مطلوب توبة من نوع توبة نينوى فلأن الخطية إنتشرت بين الجميع فعلي الجميع أن يقدموا توبة بين الرواق والمذبح فعلى الكهنة الذين كان عملهم تقديم الذبائح بين الرواق والمذبح أن يبكوا في هذا المكان. ويقدموا توبة حقيقية بدموع عوضاً عن العبادة الشكلية. وأن يقدموا توبة في هذا المكان بالذات حيث قتلوا زكريا ، وبذلك لا تتسلط عليهم الأمم فيصيروا ضحكة وهزءاً.
لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم ؟! فيغار النبي على اسم الرب وهو لا يطيق أن يسمع الأمم يقولون أن الله غير قادر على حماية شعبه ، والعيب ليس في عدم قدرة الله بل في خطية الشعب.

الله يرق لشعبه (18-27) :
18 فَيَغَارُ الرَّبُّ لأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ. 19 وَيُجِيبُ الرَّبُّ وَيَقُولُ لِشَعْبِهِ: «هَئَنَذَا مُرْسِلٌ لَكُمْ قَمْحاً وَمِسْطَاراً وَزَيْتاً لِتَشْبَعُوا مِنْهَا وَلاَ أَجْعَلُكُمْ أَيْضاً عَاراً بَيْنَ الأُمَمِ. 20 وَالشِّمَالِيُّ أُبْعِدُهُ عَنْكُمْ وَأَطْرُدُهُ إِلَى أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَمُقْفِرَةٍ. مُقَدَّمَتُهُ إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ وَسَاقَتُهُ إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ فَيَصْعَدُ نَتَنُهُ وَتَطْلُعُ زُهْمَتُهُ لأَنَّهُ قَدْ تَصَلَّفَ فِي عَمَلِهِ». 21 لاَ تَخَافِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ. ابْتَهِجِي وَافْرَحِي لأَنَّ الرَّبَّ يُعَظِّمُ عَمَلَهُ. 22 لاَ تَخَافِي يَا بَهَائِمَ الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ تَنْبُتُ لأَنَّ الأَشْجَارَ تَحْمِلُ ثَمَرَهَا التِّينَةُ وَالْكَرْمَةُ تُعْطِيَانِ قُوَّتَهُمَا. 23 وَيَا بَنِي صِهْيَوْنَ ابْتَهِجُوا وَافْرَحُوا بِالرَّبِّ إِلَهِكُمْ لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَطَراً مُبَكِّراً وَمُتَأَخِّراً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ  24 فَتُمْلَأُ الْبَيَادِرُ حِنْطَةً وَتَفِيضُ حِيَاضُ الْمَعَاصِرِ خَمْراً وَزَيْتاً. 25 وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ.

ما سمح الله به لشعبه من آلام إنما لأجل غيرته على أرضه المقدسة ، ورقته نحو شعبهم المحبوب لديه جداً ، إذ فيما هو يؤدب يطلب من أولاده أن يتطلعوا إليه لا كديان منتقم بل كأب محب يشتاق أن يفرح بهم ويُسر بحبهم له. أما علامات محبته الأبوية فهي :
1. هأنذا مرسل لكم قمحاً ومسطاراً وزيتاً إن كانت النفس تدخل إلى حالة جوع وعطش ومرض بسبب الخطية ، فإن الله في محبته يقدم نفسه طعاماً وشراباً ودواءاً روحياً لها.
لا تعود تسأل الأمم - أى العالم - ليشبع عاطفتها أو يروى أحاسيسها أو يطيب جراحاتها بل تجد في عريسها كل الشبع.
2. والشمالي أبعده عنكم واطرده إذ يحقق الله الهدف بالتأديب حيث يرجع الشعب إليه ، يدين الشعب المقاوم ، ( الجيش الذي إستخدمه كأداة تأديب) لماذا ؟ لأنه سقط في الكبرياء
 فقد ظن العدو في نفسه أنه قدير ولم يدرك أن الله كان يستخدمه لتأديب شعبه لهذا يذله الرب
هكذا إذ يسقط في العجرفة يشقه الرب ليحطم مقدمته في مياه البحر الميت ومؤخرته إلى أقصى البحر الغربي لكي لا يجتمع معاً مرة أخرى ، تفوح رائحة نتنه في كل موضع. هذا كله بسبب التصلف (التعجرف).
3. ابتهجي وافرحي  يغسل الرب جراحاتهم السابقة فيرد الغم الذي سيطر عليهم بسبب الخطية إلى بهجة وفرح.
4. تقديس كل الطاقات والمواهب بالروح القدس.
فما هو المطر المبكر والمتأخر إلاَّ الروح القدس الذي يروى النفس الظمآنة ، فتنبت البرية ، وتحمل الأشجار ثمارها ، وتعطى التينة والكرمة قوتهما ؟! انه الروح القدس الذي عمل في القديم كمطر مبكر، لكنه بالأكثر استقر فينا بعد صعود الرب ليحول بريتنا الداخلية إلى فردوس مفرح !
ويقول النبي "لا تخافي يا بهائم الصحراء ، فإن مراعي البرية تنبت"
فإن كان الجسد قد صار بسبب الخطية كبهائم الحقل بلا مرعى ، فإن الروح القدس يقدس الجسد ويشبع كل طاقاته وأحاسيسه بما هو للبنيان ، إنه لا يحطم بهائم الحقل ، ولا يحقر من شأنها ، بل يقدسها ويشبعها بما هو للرب ! ولهذا يسأل بني صهيون أن تبتهج وتفرح من أجل هذا المطر السماوي.
وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد إذ أن الروح القدس سر شبعنا وفرحنا وهو شفائنا وتعزيتنا هو يعوضنا عن كل خسائرنا ويغسل كل جراحاتنا. ويعطينا خيرات وفيرة

26 فَتَأْكُلُونَ أَكْلاً وَتَشْبَعُونَ وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ إِلَهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ عَجَباً وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ. 27 وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ وَأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ وَلَيْسَ غَيْرِي. وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ.
إن كان الإنسان قد خرج من الفردوس جائعاً ، لا يستطيع العالم كله أن يشبع قلبه أو أحاسيسه أو فكره... فإنه يبقى هكذا هائماً على وجه الأرض في جوع شديد حتى يملأه الله بروحه القدوس المشبع.
هذا الشبع يولد تسبيحاً ، فيصير الإنسان كالرضيع الذي يفرح بأمه فتهتز كل مشاعره وتتجاوب كل أعضاء جسده مع فرحه ليخرج تسبحة حب حقيقي يعجز اللسان عن التعبير عنها.
هذا التسبيح يرتبط بإدراك المؤمن لسكنى الرب فيه. فهو يسبح ويتهلل لا من أجل العطايا حتى وإن كانت روحية ، إنما من أجل المُعطي نفسه ، واهب العطايا.

الإصلاح الجذري بالروح القدس (28-32) :
« 28 وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. 29 وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضاً وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ 30 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ دَماً وَنَاراً وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. 31 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. 32 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو». لأَنَّهُ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ تَكُونُ نَجَاةٌ. كَمَا قَالَ الرَّبُّ. وَبَيْنَ الْبَاقِينَ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ.

إذ يرق الله لشعبه ويغير على ميراثه لا يبخل عليهم بشيء ، وإنما يهبهم نفسه. إنه يعطيهم روحه القدوس فيهم بكونه سرّ تغييرهم الداخلي الجذري
 إنه العطية العظمى التي قدمها الله للبشرية بعد أن هيأ لها بتقديم ذبيحة الفداء على الصليب. هذه العطية التي تمتعت بها الكنيسة في يوم الخمسين كما أعلن الرسول بطرس (أع 2: 14-21) ، والتي قُدمت لكل بشر يتقدم إلى الله ، هو عطية الله للبنين والبنات ، أي بلا تمييز في الجنس من جانب. ومن جانب آخر انها تُعطي حتى لقليلي الخبرة ، فهو الهبة المجانية من قبل الله لكل من يقبل
وهو عطية الله للشيوخ الذين ترهلت حياتهم وأحسوا بالضياع ، فيحول شيخوختهم الروحية إلى شباب متجدد في الرب مملوء رجاءً وفرحاً
هو عطية الله للعبيد والإماء ، تُعطي للذين يدركون أنهم عبيد فيحررهم واهباً إياهم روح البنوة
.. وكأن غاية هذه العطية العظمى هو الانطلاق بالكنيسة إلى يوم الرب العظيم لترى السماء والأرض تزولان ، نور العالم ينطفيء ليبقى ما هو إلهي ! بهذا يلتهب قلبها نحو الإتحاد بالله وحده الأبدي.
"ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو" ويختم نبوته عن الروح القدس بإعلان قبوله جميع القادمين إليه من كل الأمم والخلاص سيكون من داخل الكنيسة فيفتح الله ذراعيه لكل من يدعوه.


الإصحاح الثالث
( يوم الرب )

محاكمة الأشرار في وادي يهوشافاط ( 1-8 ) :
1 «لأَنَّهُ هُوَذَا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ 2 أَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ وَأُنَزِّلُهُمْ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ عَلَى شَعْبِي وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ بَدَّدُوهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَقَسَمُوا أَرْضِي 3 وَأَلْقُوا قُرْعَةً عَلَى شَعْبِي وَأَعْطَوُا الصَّبِيَّ لِزَانِيَةٍ وَبَاعُوا الْبِنْتَ بِخَمْرٍ لِيَشْرَبُوا. 4 «وَمَاذَا أَنْتُنَّ لِي يَا صُورُ وَصَيْدُونُ وَجَمِيعَ دَائِرَةِ فِلِسْطِينَ؟ هَلْ تُكَافِئُونَنِي عَنِ الْعَمَلِ أَمْ هَلْ تَصْنَعُونَ بِي شَيْئاً؟ سَرِيعاً بِالْعَجَلِ أَرُدُّ عَمَلَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. 5 لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ فِضَّتِي وَذَهَبِي وَأَدْخَلْتُمْ نَفَائِسِي الْجَيِّدَةَ إِلَى هَيَاكِلِكُمْ. 6 وَبِعْتُمْ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي أُورُشَلِيمَ لِبَنِي الْيَاوَانِيِّينَ لِتُبْعِدُوهُمْ عَنْ تُخُومِهِمْ. 7 هَئَنَذَا أُنْهِضُهُمْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بِعْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَأَرُدُّ عَمَلَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. 8 وَأَبِيعُ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ بِيَدِ بَنِي يَهُوذَا لِيَبِيعُوهُمْ لِلسَّبَائِيِّينَ لِأُمَّةٍ بَعِيدَةٍ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».

ينطلق بنا النبي من الحديث عن التأديبات الإلهية إلى يوم الرب العظيم الذي فيه يتمجد الله بكسر كبرياء الأمم وتكريم أولاده الذين تجاوبوا مع التأديبات الأبوية مقدماً لهم هبات أبدية "أرد سبي أورشليم".
لكي تكون التوبة فعالة في حياة الكنيسة ، وفي حياة كل عضو فيها ، يلزمنا التطلع إلى يوم الرب أنه قريب ، فيه نرى التأديبات الحاضرة ، وإن كانت مُرّة ومحزنة لكنها نافعة للبنيان.
تتم المحاكمة في وادي يهوشافاط الذي يعني في العبرية "وادي يهوه يقضي أو يُدين" ، أي "وادي الدينونة ".
لماذا اختار وادي يهوشافاط للدينونة ؟
أولاً: اُختير من أجل المعنى الرمزي فأن يهوه نفسه هو الذي يقضي ، الله هو الديان ، لأنه فاحص القلوب والكلى.
ثانيًا: إنه وادي بجوار أورشليم يجتمع فيه الكل ليدين الله الأشرار حسب فعلهم ، ويدخل بأولاده إلى أورشليم العليا التي يُحرم من رؤية مجدها الأشرار، لا تكون الدينونة في أورشليم إذ لا يدخلها شيء دنس أو رجس ، بل هي مسكن الله مع الناس (القديسين).
ثالثًا: يذكرنا وادي يهوشافاط بما حدث مع جيوش الأمم المهاجمة ليهوذا.
 فقد حطمهم الرب في نفس الموضع الذي اجتمعوا فيه لمحاربة أولاده ، وكأنه تتم محاكمة المجرم في موضع جريمته.
، هذا هو وادي يهوشافاط ، حيث كان السيد المسيح خارج المحلة ، خارج أوشليم يهلك العدو الشرير بصليبه ليردنا إلى ملكوته الأبدي.
إنها محاكمة قد تحققت بالصليب ، وتبقى فاعليتها في حياة كل من إتحد بالمصلوب حتى يلتقي بالرب وجهاً لوجه في يومه العظيم.
إنها دعوة للخروج إلى وادي يهوشافاط ، خارج أورشليم ، حاملين صليب الرب لنرى بأعيننا هزيمة إبليس وأعماله تتحقق كل يوم في حياتنا ، منطلقين نحو مدينتنا الباقية.
ولماذا النقمة على هذا العدو؟
تطلع الله فوجد أولاده وبناته يُباعون بالزنا والسكر، فيبيعون الصبي بزانية ، والبنت بكأس خمر للشرب.
حقًا ما أصعب هذا على قلب الله أن يرى ميراثه وخاصته ونصيبه وكنزه يبدده العدو المستبد بأرخص الأثمان ! إنه يغار على نفوس أولاده وبناته ، الذين هم كنزه :
 ذهبه وفضته ونفائسه الجيدة فكل الأمم تقاسموا أرض الله ، أي الشياطين تقاسموا أولاد الله كأنهم يمتلكونهم. بل هم امتلكوهم وباعوهم فحين علموهم الخطية تسببوا في تشتيتهم وعبوديتهم وسبيهم. فصار أولاد الله يباعون بثمن بخس.
ويوجه الله حديثه الي صور وصيدون جيران إسرائيل قائلاً ماذا انتن لي يا صور وصيدون أي هل ظلمتكم حتى تفعلوا هذا بي فهم استغلوا محنة الشعب ربما بعد غزو الأعداء وانقضوا عليهم وسبوا أولادهم وبناتهم وباعوهم للياوانيين (اليونان) وهنا الله يوجه لهم اللوم هل تكافئونني عن العمل أي لقد وهبتكم أنتم أيضاً كل شئ فلماذا تكافئونني بخطف أولادي والكلام موجه ضمنياً لإبليس الذي خلقه الله كامل الجمال. ولقد رد الله عملهم علي رؤوسهم فلما أخذ الإسكندر مدينة صور باع 13.000 من أهلها عبيداً.
ونحن أيضاً قد تسلمنا من الله فضته التي هي كلمته ، وذهبه أي السمة السماوية ، ووهبنا ثمار الروح التي هي النفائس الجيدة ، فلا ندخل بهذه إلى غير هيكل الرب ، بل نسلك بأمانة فيما قد وهبنا ، لكي ننعم بالكثير بعدما تمتعنا بالتوبة.
فلا نحمل نفائس الرب الجيدة الي الهياكل الشريرة ذلك كمن يستخدم سمات الحب التي وهبه الله إياها في شهوات الجسد ، أو كمن يستغل محبة الآخرين له بسبب تدينه أو معرفته الروحية في غير طريق الرب.
وربما قصد بأبيع بنيكم وبناتكم ما حدث أيام المكابيين الذين غلبوا أعداءهم ، أو يقصد إدانة القديسيين للعالم كقول الرسول: "ألستم تعلمون أن القديسيين سيدينون العالم ؟!" فحين يُحرم الأشرار من المجد يُدانون من خلال القديسيين الذين كسبوا الحرية الأبدية خلال التوبة الصادقة في الرب.

الرب ملجأ لشعبه (9-17) :
9 نَادُوا بِهَذَا بَيْنَ الأُمَمِ. قَدِّسُوا حَرْباً. أَنْهِضُوا الأَبْطَالَ. لِيَتَقَدَّمْ وَيَصْعَدْ كُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ. 10 اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفاً وَمَنَاجِلَكُمْ رِمَاحاً. لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: بَطَلٌ أَنَا! 11 أَسْرِعُوا وَهَلُمُّوا يَا جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَاجْتَمِعُوا. إِلَى هُنَاكَ أَنْزِلْ يَا رَبُّ أَبْطَالَكَ. 12 تَنْهَضُ وَتَصْعَدُ الأُمَمُ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ لأَنِّي هُنَاكَ أَجْلِسُ لِأُحَاكِمَ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. 13 أَرْسِلُوا الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ. هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلَأَتِ الْمِعْصَرَةُ. فَاضَتِ الْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ». 14 جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ. 15 اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ وَالنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا. 16 وَالرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ يُزَمْجِرُ. وَمِنْ أُورُشَلِيمَ يُعْطِي صَوْتَهُ فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ. وَلَكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ وَحِصْنٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. 17 «فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ سَاكِناً فِي صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ».

بعد أن أعلن عن يوم الرب العظيم الذي فيه يتمجد الله بتحرير أولاده من سطوة الشر أعلن أن سرّ الغلبة لا في الإنسان ذاته وإنما في الله ملجأه .
ثم يبدأ بالسخرية بالأمم التي اتكلت على ذاتها وإمكانياتها ليعلن ضعفها أمام الله الذي يسند أولاده واهباً إياهم الغلبة.
هنا أيضاً يسألهم إن أرادوا فليقدسوا حرباً ، أي يكرسوا كل طاقاتهم وإمكانياتهم للحرب ، وليأتوا بجميع أبطالهم دفعة واحدة ، ليحولوا سكاتهم (أسنان المحراث) إلى سيوف ، ومناجلهم إلى رماح ، أي ليكرسوا كل إمكانياتهم فإنهم هالكون لا محالة وامتلأت المعصرة أي معصرة غضب الله على الأشرار في اليوم الأخير.
وفي تهكم يقول لهم : " ليقل الضعيف بطل أنا " لقد ظن الشيطان الضعيف أنه بطل. وهو أدرك ضعفه في معركة الصليب. ولكن فليقل كل مؤمن أحس بضعفه أنه قوي بالمسيح.
أنزل يا رب أبطالك : ولكن وسط هذه الإضطهادات يكون للرب خدّام وشهود وشهداء أبطال وفي اليوم الأخير سيأتي المسيح وسط الملائكة أبطاله. ويقول عن هذه الأمم إنها تنهض وتصعد أي أن هذه الأمم ستفعل هذا بالتأكيد ويتحُّدوا الله ، لتأتي عليهم الدينونة. فيقول لهم أرسلوا المنجل لأن الحصيد قد نضج سوف يطرحون في معصرة غضب الله كعنب قد نضج .
جماهير جماهير : إذن ليتنا لا نرتعب من إبليس حتى وإن ظهر كجماهير كثيرة وقوية ، إذ هو ضعيف للغاية أمام الله الساكن فينا.
الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها : فان كانت الأمم قد صارت كالشمس في العالم أو القمر أو حتى النجوم ، فإنها أمام الله – شمس البر – تظلم ويختفي لمعانها الزائف.
ويقوم الرب من صهيون يزمجر كأسد خارج من سبط يهوذا يحمي أولاده ويحصنهم فيه ، صوته يرعد الخطية ، فهو الأسد في داخل كنيسته يُرعب من يضطهدها فإذا كان الله هو الذي يحمينا فممن نخاف. أما علامة النصرة بالرب فهي أنه بينما نحن نلتجىء إليه كحصن لنفوسنا ، إذا به يعلن ذاته فينا ولا يسمح لغريب أن يملك في أورشليم المقدسه ولا يجتاز فيها الأعاجم. ففي السماء ستثبت القداسة ولا حروب بعد ذلك فلن يوجد لنا جسد ضعيف قابل للسقوط ولن يدخل فيها شئ نجس.
فبعد أن ندخل لأمجاد السماء لن تكون هناك حروب أخرى ضدنا. ويتمجد الله في ذلك اليوم بخلاصه لأولاده.

عطايا الله الأبدية ( 18-20) :
18 وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيراً وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَناً وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَفِيضُ مَاءً وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ. 19 «مِصْرُ تَصِيرُ خَرَاباً وَأَدُومُ تَصِيرُ قَفْراً خَرِباً مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي يَهُوذَا الَّذِينَ سَفَكُوا دَماً بَرِيئاً فِي أَرْضِهِمْ. 20 وَلَكِنَّ يَهُوذَا تُسْكَنُ إِلَى الأَبَدِ وَأُورُشَلِيمَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 21 وَأُبَرِّئُ دَمَهُمُ الَّذِي لَمْ أُبَرِّئْهُ وَالرَّبُّ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْنَ».

هذه الحضرة الإلهية تعلن عن ذاتها خلال فيض الثمر الذي يظهر فينا ، وينابيع الروح التي تتفجر في داخلنا. الجبال تقطر عصيراً والتلال تفيض لبناً ما هذه الجبال والتلال والينابيع وبيت الرب إلا جوانب للكنيسة المنتصرة التي يسكنها الرب واهب الغلبة فيجعل من أولادها جبالاً مقدسة له ، تفيض عصيرًا يروي البالغين ، وتلالاً حية تفيض لبناً للأطفال ، وينابيع لا تنضب يلجأ إليها الكل ، وبيت للرب يفرح السمائيين.
لعله يُشير أيضًا إلى العصير (الخمر الجديد) بكونه الروح القدس الذي يسكر النفس بحب الله ويملأها فرحاً أبدياً. فالجبال تُشير إلى العاملين في كرم الرب هذا الروح الإلهي يتمتع به البالغون كخمر روحي مفرح ، ويقتات به الأطفال كلبن يسندهم، وكمياه حية تروي كل نسمة تعطش إليه. وفي حديثه عن الينبوع الذي يخرج من بيت الرب ليسقي وادي السنط أى وادي شطيم إنما ينبوع المعمودية الذي رأه حزقيال النبي خارجاً من تحت عتبة بيت الرب نحو المشرق ، والمياه نازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح ، هذا الذي يروي أشجاراً كثيرة جداً من هنا ومن هناك ، مياهه شافية تضم سمكاً كثيراً جداً. إنه ينبوع المعمودية الذي يفيض على وادي السنط الجاف وغير المثمر، الذي لم يكن ينمو فيه سوى شجر السنط... تحوله المعمودية إلى وادٍ مخصب ، به كل أنواع الشجر المثمر! هذا هو النهر الذي فاض بفروعه الأربعة على الأمم في كل جهات المسكونة ليقيم الله فردوسه الحيّ عوض وادي السنط. مصر تصير خراباً وأدوم تصير قفراً يختم يوئيل نبوته بإعلانٍ فيض عمل الله في كنيسته ليس فقط من الجانب الإيجابي حيث تفيض عصيرًا ولبنًا ومياهًا حية ، وإنما من الجانب السلبي يُحطم فيها أعمال الإنسان القديم الذي رُمز إليه هنا بمصر (محبة العالم) التي تأسر الإنسان كما استبعد فرعون شعب الله وأدوم (حب سفك الدم والظلم) وهي تشير لإنتهاء كل الجوانب السلبية في الإنسان الذي دخل إلى هذا المكان المقدس. فهم الذين أفسدوا يهوذا شعب الله وجعلوهم يسفكون دماً بريئاً في أرضهم هو دم المسيح ولكن في الأيام الأخيرة سيؤمن اليهود بالمسيح وهذا هو الطريق الوحيد ليبرئهم الله من الدم الذي قالوا عنه "دمه علينا وعلى أولادنا". هذه المواعيد تتم جزئياً الآن في الكنيسة وكلياً في السماء ...
ولكن يهوذا تسكن الي الأبد وأورشليم الي دور فدور إنه يهيئها لذلك اليوم العظيم لتنضم معه في مجده الأبدي. هذا هو عمل الله فينا ، إذ يُحطم العدو الشرير تحت أقدامنا ، ويخلص أورشليمنا الداخلية ، هيكله المقدس ، ويقدس أرضنا ، أي جسدنا ، ويعلن مملكة الخارج من سبط يهوذا في أعماقنا.
شاركه على جوجل بلس

عن telecom engineer

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك