تفسير سفرحجي من كتاب ارسلت لي الانبياء

سفر حجي النبي 
كلمة عن الكاتب :
حجي إسم عبري معناه "عيدي" مبهج أو مفرح ، ربّما سُمي هكذا لأجل توقّع العودة من السبي بفرح ، أو لأنه ولد في يوم عيد ، وقد جاء إسمه متناسباً مع مضمون السفر. فالسفر في أعماقه هو دعوة للحياة المفرحة أو إلى الدخول في عيد غير منقطع خلال إعادة بناء هيكل الرب فينا بروحه القدّوس.
ولد حجّي في أرض السبي ، ورجع إلى يهوذا مع زربابل في الرجوع الأوّل عام 536 ق.م. (عز 2: 1) ، ويعتبر هو وزكريّا وملاخي أنبياء ما بعد السبي.
مارس حجّي عمله النبوي حوالي عام 520 ق.م ، في السنة الثانيّة لداريوس ثالث ملوك الفرس ، وقد بدأ عمله قبل زكريّا النبي بشهرين ، إرتبط معه بصداقة قويّة ووحدة في الهدف ، وقد جاء في التقليد اليهودي إنهما دفنا في قبر واحد. وقد تنبأ زكريّا لمدّة 3 سنوات أما حجّي فلمدّة 3 شهور 24 يوما
- تعيد الكنيسة  لنيتحته في العشرين من شهر كيهك من كل عام بركة صلواته تشملنا جميعاً.

قصة السفر :
كان قيام هيكل الرب في أورشليم يعني حلول الله وسط شعبه ، يملك عليهم ويقدّسهم ويملأ حياتهم فرحاً وبهجة ، الأمور التي حُرموا منها عشرات السنين في أرض السبي.
عاش حجّي النبي في ذات الظروف التي عاشها زكريّا النبي ، يحمل ذات مشاعره ، فنحن نعلم أن أنبياء ما قبل السبي كثيراً ما هدّدوا بالسبي قبل حدوثه (586 ق.م) ، وقد تحقّقت هذه النبوّات ، لكن الله لم يترك الأمر هكذا وإنّما سبق فأعلن بالأنبياء عن العودة من السبي البابلي بعد سبعين عاماً ، وقد تحقّق ذلك أيضاً عندما إنهارت المملكة البابليّة أمام الفرس فسمح كورش ملك الفرس لزربابل الذي من نسل داود أن يرجع إلى أورشليم ليُعيد بناء الهيكل. وإذ وضع زربابل الأساسات قام السامريّون بمقاومتهم (4: 5) ، فتوقّف العمل. وإذ مرّ أكثر من خمس عشر عامًا والعمل متوقّف دون إبطال رسمي للمنشور الذي أصدره كورش ، وإذ ملَكَ داريوس حان الوقت للعمل من جديد. هنا جاءت المقاومة لا من الخارج بل من الداخل ، إذ انشغل كل واحد ببناء بيته الخاص. فقام حجّي النبي ومن بعده بشهرين زكريّا ينذران الشعب ويحثّانهم على العمل في بيت الرب بقوّة وغيرة قلبيّة.
عندما بدأ العمل بالفعل للأسف قام بين الشيوخ الذين شاهدوا الهيكل الأوّل يثبّطون الهمم إذ حسبوا الهيكل الجديد كلا شيء بمقارنته بالهيكل القديم ، ولولا حكمة النبيّان لتوقّف العمل تماماً وتحوّل الفرح إلى حزن خلال روح اليأس الذي بثّه هؤلاء المسنّين.
فجاء هذا السفر يحثّ الكل على العودة إلى العمل ، وكأنّه دعوة إلهيّة موجّهة إلى كل نفس لتستعيد في الرب بهجة خلاصها بالتمتّع بسكنى الرب فيها وإعلان قلبها هيكلاً للرب وأعماقها مقدّسا له.
إنه حديث إلهي فيه يُعاتب النفس المتراخية في قبول ملكوته داخلها والمرتبكة بأمور هذه الحياة.
+ يضم هذا السفر أربع نبوّات نطق بها النبي:
1. النبوّة الأولى (ص1): يوبخهم فيها على تركهم الهيكل خرابًا، وقد جاءت النبوّة بالثمر إذ تحمّس الكل للعمل.
2. النبوّة الثانيّة (2: 1-9): فيها يشجّع العاملين على الاستمرار في العمل دون الحزن على مجد الهيكل القديم، مؤكّدًا رفض الأفكار المحطّمة للنفس، معلنا ظهور هيكل جديد فائق في مجده.
3. النبوّة الثالثة (2: 10-19): في هذه النبوّة يؤكّد أن تجاهلهم لأولويّة الله في حياتهم يفقدهم البركة، مشجّعًا إيّاهم على المثابرة في الحياة الروحيّة بغيّرة متّقدة.
4. النبوّة الرابعة (2: 20-23): في هذه النبوّة يؤكّد الرب إنّه يهزم الأمم ويثبت زربابل كخاتم له
بعد الرجوع من السبي، بدأ الشعب في بناء الهيكل... وبسبب الأعداء توقف البناء لمدة خمسة عشر سنة. وقد أرسل الله النبيان حجي وزكريا إلى الشعب في يهوذا وأورشليم لكي يحثا الشعب على البدءمرة أخرى في بناء هيكل الرب .

غاية السفر :

لم يكن دور حجّي النبي مجرّد الحث على إعادة بناء الهيكل ولكنه دخل بهم إلى مفاهيم روحيّة عميقة تمس علاقتهم بالله على مستوى القلب الداخلي.
فقد أبرز النبي الآتي :
1. الحاجة عن التخلّي عن الذات لإقامة بيت الرب داخل النفس ، أي صلب الأنا ليعلن السيّد المسيح ملك على القلب كما في هيكله المقدّس.
2. تأكيد أن "الله وليس اخر" ، فإن كان الشعب قد إنهمك في بناء بيوت خاصة متجاهلين العمل في بيت الرب ، فإن هذا التصرّف يكشف عن حالهم الخطير إذ حسبوا الله ثانوياً في حياتهم. الله لا يسكن في بيوت ولا يطلب أمجاداً زمنيّة لكنّه يطلب أن يكون الأوّل في حياة أولاده الذين أعطاهم الأوّلويّة بين خليقته ، فيردون مبادرته بالحب لهم بمبادرتهم بالحب له. إن كان من أجل تنازله قبل أن يكون له هيكل وسط شعبه إنّما ليؤكّد حلوله في وسطهم ، لهذا يليق بهم الإهتمام بالهيكل لا من أجل فخامته وإنّما علامة حب داخلي وشوق وفرح بالله الساكن في وسطهم.
الله لا يطلب الذهب ولا الفضة ولا حتى العمل في ذاته ، ولكنه يود قلوبهم مسكناً له.
+ نجح حجّي النبي لا في نقل أفكارهم من البناء الحجري إلى القلب كبيت داخلي للرب وإنّما أيضاً في الكشف عن مجد البيت الجديد ، أي بظهور مشتهى كل الأمم. بقيامته وصعوده أعطانا المجد الأبدي في هيكله الذي هو جسده. لقد تحدّث عن هذا الهيكل مع اليهود قائلاً : "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19).

أقسام السفر :
1. الإصحاح الأول : دعوة لبناء بيت الرب.
2. الإصحاح الثاني : نبوّات ثلاث متلاحقة.

الإصحاح الاول
( دعوة لبناء بيت الرب )

- موضوع النبوة (1-2) :
1 فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا ، وَإِلَى يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ قَائِلاً : 2 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً : هذَا الشَّعْبُ قَالَ إِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ.

هنا تحديد الميعاد الذي بدأ فيه النبي عمله النبوي. وفي ( حج 20:2 ) ميعاد نهاية نبوته. وداريوس هو داريوس هستاسب ثالث ملوك الفرس. والشهر السادس هو شهر أيلول. في أول يوم من الشهر كان لليهود عادة أن يجتمعوا في أول الشهر القمري لممارسة العبادة الجماعية. وإستغل النبي هذا الإجتماع ليعلن كلمة الرب. عن يد حجي النبي كلمة يد تعني قوة ، والمعنى أن كلمة الرب النبوية سلمت في أيدي الأنبياء كسيف روحي يحطم الشر، وعلى النبي أن يتكلم بقوة دون أن يخاف إنسان. وسلم النبي الكلمة إلى إثنين زربابل الوالي ويهوشع رئيس الكهنة ليقوما ببناء الهيكل اللذين كانا متحمّسين للعمل لكن المقاومات الخارجيّة والداخليّة قد أوقفتهما.
- زربابل بن شألتئيل : هو إبن يكنيا الملك . ومعنى زربابل أي المولود في بابل ، وهو له إسم آخر بابلي وهو شيشبصر. وقد أقامه كورش الفارسي والياً على يهوذا وزربابل هذا يشير للمسيح الذي حمل جسدنا وجاء إلى أرضنا ودخل معنا حتى إلى القبر. هو ولد في أرض عبوديتنا كما ولد زربابل في أرض السبي. وزربابل من نسل داود ، والمسيح من نسل داود. وكما ملك زربابل على شعب الله بعد تحريره من السبي ، هكذا ملك المسيح على شعبه بعد تحريره من عبودية إبليس.
- يهوشع الكاهن العظيم إبن يهوصاداق إبن سرايا وسرايا هذا قتله ملك بابل في ربلة ومعنى إسم يهوشع يهوه يخلص ( نفس إسم يسوع ) ومعنى يهوصاداق يهوه بر (والمسيح هو برنا ). وبذلك يكون يهوشع رمزاً للمسيح رئيس كهنتنا الذي قدم ذبيحة نفسه ليخلصنا ويبررنا.
الوالي يرمز للإرادة الإنسانيّة التي أقامها الله في الإنسان لكي تدير الحياة في الرب كملك صاحب سلطان على النفس والجسد والفكّر والأحاسيس ، بينما الكاهن يُشير إلى القلب الذي يتقدس لله بالروح القدس فيسكن فيه مسيحنا بكونه أسقف نفوسنا وشفيعنا بدمه لدى أبيه.
إن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب : الله هنا يتهم الشعب بالرخاوة في بناء البيت ، فهم يقولون أن الوقت لم يبلغ أي أن الظروف غير مناسبة وهم قدموا أعذاراً ، مثل أن تأخير البناء لمدة 15 سنة علامة على أن الرب غير موافق على البناء ، لقد تعلّلوا بأن المقاومات الخارجيّة من أعدائهم هي إشارة إلهيّة بأن وقت العمل لم يحن ، عذر آخر بأن الملك السابق أصدر أمراً بوقف البناء فهل يصح أن يكسروا أمر الملك ، ومع أن الملك الحالي قد خفف الضغط إلا أنهم مازالوا يتحججون بذلك. ولكن السبب الحقيقي هو أنهم إنشغلوا بتزيين بيوتهم وجعلها كالقصور في زينتها ، وسبب آخر أن شهر أيلول هو شهر جني الثمار، فهم ليس لديهم وقت لبناء بيت الرب ولم يدركوا أنّه يليق أن يكون الله أولاً في حياتهم ، كقول السيّد : "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33(. ولذلك فالله غاضب عليهم ويقول هذا الشعب ولا يقول شعبي فالخطية وإهمال حقوق الله تجعل الناس في غربة عن الله. ولاحظ أن الله يسمى نفسه هنا رب الجنود فهو رب الجنود السماوية ، وهو في غير حاجة لهم ، لكنه إذ يطلب منهم بناء بيته ، فهذا لأنه يحبهم ويشتاق العمل خلالهم ، وهذا فيه كرامة لهم ، إذ سيأتي الله ويسكن في وسطهم ويكون مجداً لهم وسبب بركة لهم.

- توبيخ علي الإهتمام بالزمنيات (3-11) :
3 فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلاً:  4 هَلِ الْوَقْتُ لَكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ الْمُغَشَّاةِ ، وَهذَا الْبَيْتُ خَرَابٌ ؟ 5 وَالآنَ فَهكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 6 زَرَعْتُمْ كَثِيراً وَدَخَّلْتُمْ قَلِيلاً. تَأْكُلُونَ وَلَيْسَ إِلَى الشَّبَعِ. تَشْرَبُونَ وَلاَ تَرْوُونَ. تَكْتَسُونَ وَلاَ تَدْفَأُونَ. وَالآخِذُ أُجْرَةً يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ مَنْقُوبٍ. 7 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : إجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 8 إصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ وَأْتُوا بِخَشَبٍ وَابْنُوا الْبَيْتَ ، فَأَرْضَى عَلَيْهِ وَأَتَمَجَّدَ ، قَالَ الرَّبُّ. 9 انْتَظَرْتُمْ كَثِيراً وَإِذَا هُوَ قَلِيلٌ. وَلَمَّا أَدْخَلْتُمُوهُ الْبَيْتَ نَفَخْتُ عَلَيْهِ. لِمَاذَا ؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. لأَجْلِ بَيْتِي الَّذِي هُوَ خَرَابٌ ، وَأَنْتُمْ رَاكِضُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى بَيْتِهِ. 10 لِذلِكَ مَنَعَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقِكُمُ النَّدَى ، وَمَنَعَتِ الأَرْضُ غَلَّتَهَا. 11 وَدَعَوْتُ بِالْحَرِّ عَلَى الأَرْضِ وَعَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْمِسْطَارِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى مَا تُنْبِتُهُ الأَرْضُ ، وَعَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ أَتْعَابِ الْيَدَيْنِ.

في الوقت الذي فيه يقولون بأن الوقت لم يحن لبناء بيت الرب يسكنون هم في بيوت لهم مغشاة ، تليق بالملوك ، وكأنهم ليس فقط قدّموا الزمنيّات عن الأبديّات وإنّما حتى في تدبيرهم للأمور الزمنيّة سكنوا في قصور. فالمشكلة إذاً في إنشغالهم بالترف بينما بيت الرب محطم ، وهذا يعني أن الشعب لا يتوق لأن يسكن الرب وسطهم ، إجعلوا قلوبكم : القلب يشير للتفكير والإنتباه ، والمقصود تأملوا بعمق في حياتكم الداخلية وراجعوا نفوسكم ، ما سبب الإهمال ، وكما يقول الرسول : "ليمتحن كل واحد عمله" (غلا 6: 4) ، أي يحكم على نفسه قبل أن يحكم الغير عليه. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب : أي كأنه يضع نقوده في كيس مثقوب.
وها هو النبي يُساعدهم على مراجعة أنفسهم ، إذ يرفض الإنسان الإلتصاق بالله خالقه إنّما يرفض البركة في حياته ، فالطبيعة تقاومه والأرض لا تعطيه ثمرها ، حتى جسده لا يتمتّع بالشبع والكفاية مهما قُدم له. قد يزرع كثيراً لكن الحصاد قليل ، وقد يأكل بنهَم كل ما يشتهيه ولكن بلا شبع ، وينال أجرة بلا كيل لكنّه كمن يضعها في كيس مثقوب. هذا ما حذّر منه الكتاب في أكثر من موضع ، فيقول الكتاب : "من أجل خطاياك أنت تأكل ولا تشبع وجوعك في جوفك أنت تزرع ولا تحصد ، أنت تدوس زيتوناً ولا تدهن بزيت ، وسلافة ولا تشرب خمراً " ( مي 6: 14-15).
إجعلوا قلبكم على طرقكم : بمعنى فكروا بالحق في طرقكم ، كونوا صرحاء مع أنفسكم ، وكيف تستعيدوا البركة وإرجعوا للرب فيرجع لكم ويبارككم. ولاحظ أنه لا أمل في إصلاح الإنسان لنفسه إلا بمراجعة الإنسان لنفسه والتأمل في داخل قلبه ، فإن كان هذا السفر هو سفر بناء بيت الرب ، فبناء بيت الرب الداخلي في نفوسنا يكون بتهيئة القلب ليجعل الرب مسكنه فينا ، وكأنّه يقول : هيّئوا قلبكم ليقيم الرب مسكنه فيكم بروحه القدّوس.
إصعدوا إلى الجبل : أي جبل لبنان ليأتوا بالخشب لبناء البيت. والمعنى الروحي ، فبعد أن يقدم الإنسان توبة عليه أن يصعد للسماويات ، والمسيح هو صخر وجبل إيماننا ، نصعد به للسماء. والخشب الذي نجلبه لنبني البيت هو الصليب ، فلنحمل صليبه ونتبعه ، وأبنوا البيت : فمع أنه هو الذي يبني البيت ينسب البناء هنا لنا مؤكداً على تقديس الحرية الإنسانية فهو لا يقيم البيت فينا بغير إرادتنا.
فأرضي عليه وأتمجد : هم ربما يتصورون أنهم لن يمكنهم إقامة بيت فخم للرب مثل هيكل سليمان. ولكن الله يطمئنهم أنه سيرضي عن عملهم. وهو لا يحتاج للذهب والفضة الكثيرة التي كانت في هيكل سليمان. بل أن وجود الله في هيكله هو سر مجد هذا المكان. ومعنى الكلام أن الله يقول هنا جربوا أن تصنعوا إرادتي وستجدوا البركة تعود لكم ثانية ، وإرادة الله أن نبحث عن مجد اسمه أولاً.
نفخت عليه : هم إنتظروا أن تزيد غلتهم وأرباحهم ولكنهم وجدوا هناك لعنة خفية تلحق بكل شيء ، ولكل ما يدخلوه إلى بيوتهم. إذاً الله قادر أن يبدد كل ثروة كنزها الإنسان بنفخة منه ، وإذ يتجاهل الإنسان خالقه تتجاهله الخليقة فتمنع السموات نداها والأرض غلتها ، حتى الجو يفقد لطفه فيختنق بحرّه الإنسان والحيوان والنبات على الجبال والمناطق السهلة ، مفسداً كل تعب اليدين. جاء في سفر التثنية : "وتكون سماؤك التي فوق رأسك نحاساً ، والأرض التي تحتك حديداً ، ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك" ( تث 28: 23-24). حينما يُقسي الإنسان قلبه تصير له السماء قاسية كالنحاس والأرض حديداً بلا ثمر، وإذ تكون أفكاره أرضية ترابية يتحوّل المطر بالنسبة له إلى تراب يهلكه... وكأن الطبيعة تُقدّم له مما هو مختفي فيه.

- ثمر الدعوة (12-15) :
 12 حِينَئِذٍ سَمِعَ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَأَلْتِيئِيلَ وَيَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ ، وَكُلُّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَكَلاَمَ حَجَّي النَّبِيِّ كَمَا أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ. وَخَافَ الشَّعْبُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ. 13 فَقَالَ حَجَّي رَسُولُ الرَّبِّ بِرِسَالَةِ الرَّبِّ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ قَائِلاً : أَنَا مَعَكُمْ ، يَقُولُ الرَّبُّ. 14 وَنَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا ، وَرُوحَ يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ ، وَرُوحَ كُلِّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ. فَجَاءُوا وَعَمِلُوا الشُّغْلَ فِي بَيْتِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِهِمْ 15 فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ.

جاءت الكلمات النبويّة بثمرها المفرح إذ سمع الوالي والكاهن وكل بقيّة الشعب كلمات الرب وخافوا أمام وجهه وبدءوا في العمل.
نبه الرب روح زربابل : فبدون أن ينبه الرب فلا فائدة والرب ينبه أرواحنا دائماً لكن المهم أن نتجاوب مع عمل الرب. ونجدهم هنا قد سمعوا وخافوا ونفذوا ، فالكلمة لها سلطان وطوباهم لأنهم فعلوا هذا. ولأنهم خافوا وتجاوبوا فلقد أرسل لهم الله نبياً آخر يعزيهم هو زكريا بعد شهرين. وأعطاهم الله أن يفرحوا بالعمل فتشجعوا ، وقد حدثت الإستجابة وبدأ العمل بعد 24 يوماً من إطلاق النبي لندائه.
الإصحاح الثاني
( نبوات ثلاث متلاحقة )

- هيكل مشتهي كل الأمم (1-9) :
1 فِي الشَّهْرِ السَّابعِ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلاً : 2 كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ بْنَ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا ، وَيَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ قَائِلاً : 3 مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأَى هذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأَوَّلِ ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ ! 4 فَالآنَ تَشَدَّدْ يَا زَرُبَّابِلُ ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَتَشَدَّدْ يَا يَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ ، وَتَشَدَّدُوا يَا جَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5 حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَرُوحِي قَائِمٌ فِي وَسَطِكُمْ. لاَ تَخَافُوا. 6 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ ، بَعْدَ قَلِيلٍ ، فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ ، 7 وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ ، فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْداً ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8 لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9 مَجْدُ هذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.

جاءت الرسالة الثانية حيث كان البناؤون قد بدأوا العمل منذ قرابة شهر، وكان الله قد أنبهم في رسالته الأولى ، ولكن نجده هنا يشجعهم حينما بدأوا العمل. في الشهر السابع في الحادي والعشرين من الشهر: أي في اليوم السابع من عيد المظال. وكان هذا العيد يتسم بالفرح أكثر من أي يوم آخر فهو أيضاً في نهاية موسم الحصاد وهنا نجد الله كأنه يريد أن يقول إمتلئوا فرحاً ليس بعيد المظال فقط بل ببدء العمل في بيت الله. أما هو في أعينكم كلا شئ بينما كان الكهنة واللاويون يترنمون بالفرح ويضربون بالأبواق من أجل العمل ، أخذ المسنين يبكون بمرارة على مجد الهيكل القديم هؤلاء قارنوا بين القديم وأساسات الجديد فحسبوا العمل القائم كلا شيء أمام بهاء مجد القديم ، فكادوا أن  يحولوا الفرح لمرارة   (عز3 : 12 ، 13) وهذا تماماً هو عمل إبليس زرع اليأس في النفوس ، لذلك يقول الحكيم "لا تــقل لماذا كـــانت الأيــــام الأولى خيـــراً من هــذه" ( جا 10:7 ).
ولكي يُنزع الله روح اليأس أخذ يُسندهم ويشجّعهم هكذا :
أولاً:  "من الباقي فيكم الذي رأي هذا البيت في مجده الأول؟" يُطالب الوالي والكاهن والشعب لا أن ينشغلوا بالمقارنات بين قديم وجديد  وإنّما بالعمل بقوّة متشدّدين من أجل "الله" الحالّ في وسطهم . ليت كل مؤمن لا يبدّد طاقته بالأفكار الكثيرة المحطّمة للناس ، إنّما لتتشدّد إرادته وليتشدّد قلبه ولتتشدّد كل طاقاته ،عاملاً بكل طاقته ، متأكّداً أن الرب معه هو سرّ فرحه ومجده ، إن كان غاية المبنى هو إلتقاء الرب بهم خلال العهد وتمتعهم بحلّوله في وسطهم ، فإنه يقول : لا تخافوا فإني أدخل معكم في العهد ويُقيم روحي في وسطكم مادمتم عاملين... وهذا هو المجد الحق.
ثانيًا  :الله يزلزل السموات والأرض والبحر وكل الأمم: حدث هذا قديماً فعندما أقام الله العهد على جبل سيناء زلزل الرب الموضع وكان الجبل يدخن. وعند الصلب حدثت زلزلة وتشققت الأرض وأظلمت الشمس. وقد تزلزلت كل الممالك وقامت مملكة المسيح. وكأن قيام مملكة المسيح زلزلة للأمم. فالأمم والممالك أشياء متزعزعة غير ثابتة ( فبابل وأشور واليونان والرومان كلهم سقطوا ) لكن مملكة المسيح ثابتة كالجبل. والآن بالنسبة لكل إنسان ، فالله يزلزل جسده ونفسه ، ويحطم إنسانه القديم ليقيم فينا الإنسان الجديد فنحمل سماته فينا. هذه الزلزلة هي علامة مجيء "مشتهى كل الأمم" ، فإنه يحل فينا داخلياً في مياه المعموديّة عندما ندفن معه فتتزلزل قوات الظلمة ويتحطّم إنساننا الخارجي. وعندما يأتي أيضاً في آخر الأزمنة تتزلزل الطبيعة بقوّة ليزول العالم المادي ويأتي الرب ملكاً سماوياً أبدياً.
ويأتي مشتهى الأمم : كان عليهم أن يصبروا فترة من سنة 520 ق.م. حتى يولد المسيح مشتهى الأمم ، ونحن علينا أن ننتظر بصبر مجيئه الثاني الذي سيتزلزل فيه العالم كله ، بل تنتهي صورته ويستعلن مجد الله ، ويأتي مشتهى العالم كله في مجيئه الثاني. ومشتهى الأمم : تعني أيضاً قبول الأمم للمسيح ، فهؤلاء الذين كانوا مبعدين عن الله قبل المسيح صاروا جسداً للمسيح.
ثالثًا: لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود : إذاً عليهم أن لا يهتموا إذ ليس لهم فضة أو ذهب لتزيين هذا الهيكل الجديد ، فالله الذي له الأرض بكل كنوزها ، وجوده في هيكله هو سر المجد وليس الذهب والفضة. ففي البيت الجديد يقول الرب: "لا تقننوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاسًا في مناطقكم" (مت 10: 9) ، إذ يكون هو نفسه فضتنا وذهبنا ، هو زينة البيت ومجده.
رابعاً:  مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول : أي مكان يملأه الله يمتلئ مجداً مهما كان حقيراً. وهذا الوعد أعطى فرحاً لليهود شجعهم على البناء. ونجد أن هيكل سليمان قد إمتاز عن الهيكل الثاني ، بكثرة الذهب والفضة والحجارة الكريمة وفخامة المبنىص، هذا وجاء في التلمود البابلي أن هيكل زربابل نقصه خمسة أمور عن هيكل سليمان هي : مجد الشكينة ، والنار المقدّسة ، وتابوت العهد ، والأوريم والتميم ، وروح النبوّة. ولكن يتكلم هنا عن مجد البيت الأخير: هذه تقصد هيكل جسد المسيح الذي تشير له هذه الآيات ، ومجد هذا الهيكل في أن لاهوت المسيح لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وكرمز لهذا الهيكل ، هيكل جسد المسيح ، هيكل زربابل ، وسر عظمة زربابل بالرغم من كل ذهب وفضة هيكل سليمان أن الرب معهم. وبجسد المسيح هذا تمت المصالحة بين الآب والبشرية لذلك يقول وفي هذا المكان أعطى السلام : فلم يكن لنا سلام سوى بالمسيح ملك السلام. ولاحظ قوله هذا البيت الأخير : فلا يوجد هيكل يهودي مقبول من الله بعد أن أسس المسيح هيكل جسده.

- الله يطلب هيكل القلب (10-19) :
10 فِي الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلاً : 11 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : اِسْأَلِ الْكَهَنَةَ عَنِ الشَّرِيعَةِ قَائِلاً : 12 إِنْ حَمَلَ إِنْسَانٌ لَحْماً مُقَدَّساً فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ وَمَسَّ بِطَرَفِهِ خُبْزاً أَوْ طَبِيخاً أَوْ خَمْراً أَوْ زَيْتاً أَوْ طَعَاماً مَّا ، فَهَلْ يَتَقَدَّسُ ؟ فَأَجَابَ الْكَهَنَةُ وَقَالُوا : لاَ. 13 فَقَالَ حَجَّي: إِنْ كَانَ الْمُنَجَّسُ بِمَيْتٍ يَمَسُّ شَيْئاً مِنْ هذِهِ، فَهَلْ يَتَنَجَّسُ ؟ فَأَجَابَ الْكَهَنَةُ وَقَالُوا: يَتَنَجَّسُ .14 فَأَجَابَ حَجَّي وَقَالَ : هكَذَا هذَا الشَّعْبُ ، وَهكَذَا هذِهِ الأُمَّةُ قُدَّامِي ، يَقُولُ الرَّبُّ ، وَهكَذَا كُلُّ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ وَمَا يُقَرِّبُونَهُ هُنَاكَ. هُوَ نَجِسٌ. 15 وَالآنَ فَإجْعَلُوا قَلْبَكُمْ مِنْ هذَا الْيَوْمِ فَرَاجِعاً ، قَبْلَ وَضْعِ حَجَرٍ عَلَى حَجَرٍ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ. 16 مُذْ تِلْكَ الأَيَّامِ كَانَ أَحَدُكُمْ يَأْتِي إِلَى عَرَمَةِ عِشْرِينَ فَكَانَتْ عَشَرَةً. أَتَى إِلَى حَوْضِ الْمِعْصَرَةِ لِيَغْرُفَ خَمْسِينَ فُورَةً فَكَانَتْ عِشْرِينَ. 17 قَدْ ضَرَبْتُكُمْ بِاللَّفْحِ وَبِالْيَرَقَانِ وَبِالْبَرَدِ فِي كُلِّ عَمَلِ أَيْدِيكُمْ ، وَمَا رَجَعْتُمْ إِلَيَّ ، يَقُولُ الرَّبُّ. 18 فَإجْعَلُوا قَلْبَكُمْ مِنْ هذَا الْيَوْمِ فَصَاعِداً، مِنَ الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تَأَسَّسَ هَيْكَلُ الرَّبِّ ، إجْعَلُوا قَلْبَكُمْ. 19 هَلِ الْبَذْرُ فِي الأَهْرَاءِ بَعْدُ ؟ وَالْكَرْمُ وَالتِّينُ وَالرُّمَّانُ وَالزَّيْتُونُ لَمْ يَحْمِلْ بَعْدُ. فَمِنْ هذَا الْيَوْمِ أُبَارِكُ.

جاءت هذه النبوّة لاحقة للسابقة بعد شهرين من إعلانها ، فيها يوضح إن كان مجد الهيكل هو حلول الرب وسط شعبه ، فإن غاية الهيكل هو تقديس القلب ، فإن أقمنا الهيكل بقلوب دنسة فلن ننتفع ، ولن تأتي البركة. ويلاحظ في هذه النبوّة الآتي :
أولاً : يطلب الله من النبي أن يسأل الكهنة عن الشريعة مع إنّه نبي وكأن كل عضو في الكنيسة يعمل مع الآخر في العمل الخاص به دون أفضليّة للواحد عن الآخر إلاَّ من جهة أمانته فيما أوّكل عليه ، النبي في نبوّة والكاهن في تفسير الشريعة. وهنا يطالب الله بتطبيق الوصية إسأل الكهنة عن الشريعة ، والإبتعاد عن النجاسة.
ثانيًا : أن هذا الشعب قد تنجس بخطاياه وإهماله بناء بيت الرب ،لذلك فكل ما يلمسه هذا الشعب يتنجس وتنعدم منه البركة. وكانت الشريعة تنص على أنه إذا حمل إنسان لحماً مقدساً في طرف ثوبه ومس بطرفه شيئاً ما ، فإن هذا الشيء لا يتقدس ، ولكن إن كان قد تنجّس بميت فما يمسه ينجسّه والمعنى أن العدوى تنتقل من شخص لآخر في الخطية أسهل بكثير من إنتقال القداسة ، لأن الهدم أسرع من البناء. وكأنّه يسألهم أن يهتمّوا بصحتهم الروحيّة وتقديسهم لأن كل مرض ونجاسة ينتقلان وينتشران بينهم سريعاً.
ثالثا : سبب النجاسة هو فساد القلب. يطلب منهم قبل البدء في البناء أن يقدموا توبة قلبية. فأجعلوا قلبكم من هذا اليوم فراجعاً : أي منذ الآن فصاعداً ( أي لبقية عمركم ) قدموا توبة صادقة ، وصمموا على عدم الرجوع للخطية. إذ لا يتقدّس القلب فإنهم حتى إن بنوا هيكلاً للرب في وسطهم لا ينعمون بالبركة فإن يأتي إنسان إلى جرن الحصاد متوقعاً أن يجمع عشرين عرمة (مكيالاً) من الحبوب إذا به يجمع عشرة ، ويأتي إلى حوض الفورة (المعصرة) ليغرف خمسين فورة من عصير العنب فيجد عشرين فقط ، أما النباتات فيضربها باللفح (هبوب ريح عنيف) واليرقان (الآفات) والبرد (الصقيع). هكذا تقاومه الطبيعة لعلّها تردّه إلى خالقة.
من اليوم الذي تأسس فيه هيكل الرب : الهيكل تأسس أيام كورش وتعطل 15سنة ، ويعتبر وضع الأساس الجديد سنة 520 بدءاً جديداً ، وكأن الله يطلب مع بداية هذا العمل ، قدموا توبة قلبية فتزداد البركة لكم. ولكن معنى تحديد التاريخ من اليوم الرابع والعشرين.. أن الله يحدد ميعاد رجوع البركة لهم ، ويطلب منهم أن يلاحظوا أنهم في نفس اليوم الذي بدأوا فيه البناء وإستجابوا لنداء الله، ففي نفس هذا اليوم عادت البركة لهم ، عليهم إذاً أن لا ينسبوا عودة البركة لهم للصدفة أو رضا الطبيعة عليهم ، بل يفهموا أنها نتيجة رضا الله عليهم ، الله عاد بالبركة لهم (أي أمطار وثمار وبدون لفح ولا يرقان) ، حينما عادوا لله وإستجابوا لندائه وقدموا توبة.. وعليهم أن يلاحظوا ميعاد عودة البركة ليفهموا أنها من الله. مع أنه لا يوجد بذار في المخازن (الإهراء : المخازن) ولم تزهر أشجار الكروم والتين ، إلاّ أنهم طالما قدموا توبة صادقة فعليهم أن ينتظروا بثقة وإيمان وصبر تحقيق وعود الله بعودة البركة لهم.

- الهيكل الجديد والختم الإلهي (20-23) :
20 وَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ ثَانِيَةً إِلَى حَجَّي ، فِي الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ قَائِلاً : 21 كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ وَالِي يَهُوذَا قَائِلاً : إِنِّي أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ، 22 وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ ، وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا ، وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا ، كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِ. 23 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ، آخُذُكَ يَا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابْنُ شَأَلْتِيئِيلَ ، يَقُولُ الرَّبُّ ، وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ ، لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.

هذه النبوّة الأخيرة أُعلنت في ذات اليوم الذي أُعلنت فيه النبوّة السابقة. الأوّلى يؤكّد فيها الرب ضرورة توجيه الأنظار إلى هيكل القلب وتقديسه حتى يمتلئ المؤمن بالبركة وينعم بحلول الرب داخله ، أما هنا فيوجّه الحديث إلى زربابل الوالي الذي من نسل داود معلناً أنّه يباركه بتحطيم الأمم الوثنيّة المقاومة وإقامته خاتماً للرب بكونه المختار من قلبه. 
إن كان زربابل يمثل السيّد المسيح الذي "ولد في بابل" إذ حمل جسدنا وجاء إلى أرضنا ودخل معنا حتى القبر، لكنّه هو الإبن الوحيد موضع سرور الآب ، فيه صرنا مختاري الله (أف 1: 4). فيه ننعم بالغلبة لا على أمم بشريّة بمركباتها وخيلها ، وإنّما على قوّات الظلمة الشرّيرة.
كل منها بسيف أخيه :  فالأمم التي تقاوم المسيح وشعبه تقوم على بعضها وتقتل بعضها (قصة جدعون وشعب مديان( ، زربابل عبدي : هكذا قيل عن المسيح في (أش1:42 + في7:2). لأني قد أخترتك وقيل عن المسيح مختار الله (أش1:42 + 1بط4:2). فزربابل هو رمز للمسيح. لذلك فهذه الآية هي نبوة عن المسيح. وأجعلك كخاتم : خاتم التوقيع كان يتمتع بعزة فائقة في تلك الأيام فهو رمز للسلطة ، فالله يعطي زربابل الملك والسلطان رمزاً لملك المسيح على كنيسته وإنهيار مملكة إبليس (لو32:1، 33) (هذا ما قيل عن المسيح كملك). الختم يشير لسلطان المسيح الذي منحه له الآب. وبالخاتم يتم صرف الشيء المختوم عليه ، وبالمسيح نحصل على إستجابة صلواتنا. ولذلك تضيف الكنيسة على الصلاة الربانية "بالمسيح يسوع ربنا" فالله لا يستجيب لنا إلا بالمسيح .









شاركه على جوجل بلس

عن telecom engineer

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك