حوار حول الثالوث المقدس والتجسد والفداء بين الانبا يوساب اسقف جرجا وبين عالم مسلم في القرن الثامن عشر (الجزء الاول )

حوار حول الثالوث المقدس والتجسد والفداء  بين الانبا يوساب اسقف جرجا وبين عالم مسلم في القرن الثامن عشر

  (الجزء الاول )


قال العالم للأسقف :إني أجد النصاري يعتقدون بإله واحد ثم يقرون بثلاثة آلهة ويقولون الأب والأبن والروح القدس ويعتقدون الاب اله والابن اله والروح القدس اله , ثم يغيرون الحديث مصرحين أن الثلاثة إله واحد والواحد ثلاثة , ونحن وكل العالم يعلم ان الثلاثة غير الواحد والواحد غير الثلاثة. ولم نقف قط في كتب الفلسفة علي أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة . والأدهي قولكم أن الأب غير الإبن والإبن غير الروح القدس والروح غير الأب . ثم بعد ذلك تقولون ان الاب والإبن والروح القدس جوهر واحد , إله واحد , رب واحد ,سلطان واحد , فعل واحد , يصدر عن الثلاثة .

أجاب الأسقف العالم : هل تعتقد أن ذات الله موجودة أم غير موجودة ؟

العالم : إن قلت ان ذات الله غير موجودة فقد نسبت الله الي العدم , حاشا له لأن كل غير موجود ينسب الي عدم الوجود.

الأسقف وماذا تقول عن ذات الله ؟

العالم : إني أُقر ان ذات الله موجودة  , دائمة البقاء .

الأسقف ماذا تقول عن ذات الله  الموجودة , هل هي حية أم عديمة الحياة؟

العالم : إن كل شئ موجود غير حي فهو جماد متحرك .

الأسقف وماذا تقول عن ذات الله , هل هي حية أم عديمة الحياة ؟

العالم : إني أُقر وأعتقد ان ذات الله حية , وهو معطي الحياة لكل المخلوقات .

الأسقف وماذا تقول في ذات الله الموجودة الحية , هل هي ناطقة ام غير ناطقة؟

العالم : إن كل شئ موجود حي غير ناطق فهو حيوان غير عاقل.

الأسقف: عرفني ما ظهر لك من الحق عن ذات الله الحية , هل هي ناطقة ام غير ناطقة ؟

العالم : إن قلت أن ذات الله غير ناطقة فقد دخلت الي الكفر , وصيرت ذات الله كحيوان غير ناطق , وحاشا لله من ذلك لكني أعترف وأعتقد ان ذات الله موجودة حية ناطقة ولولا ذلك لم يكن في الموجودات أُعني المخلوقات , يوجد حي ناطق كالملائكة والبشر .

الأسقف: وماذا تقول عن ذات الله  ؟ هل ذات الله هي النطق و هل هي  والحياة , أم ذات الله غير النطق والحياة ؟ . أم النطق غير الذات والحياة  . أم الحياة غير الذات والنطق .

العالم : نحن نعترف بناءاً علي العلم والمنطق , أن الذات غير النطق والحياة , والنطق غير الذات والحياة , والنطق والحياة معاولان من الذات .

الأسقف: ماذا تقول عن الذات ؟ هل هي والدة النطق , والنطق مولود منها , ام النطق والد للذات والذات مولودة من النطق ؟ وماذا تقول عن الحياة ؟ هل هي منبعثة من الذات والذات باعثة لها , أم هي باعثة الذات والذات منبعثة منها ؟ 

العالم : إن العقل والعلم يدلانا أن الذات علة النطق والحياة , وأن الذات والدة النطق وباعثة الحياة وأن النطق مولود من الذات والذات والدة له , وأن الحياة منبعثة من الذات والذات باعثة لها .

الأسقف: عندي وعندك وعند مختلف المذاهب , أن كل شئ والد لشئ يسمي له اباً , وكل شئ مولود من شئ يسمي له ابناً , وكل شئ منبعث من شئ يسمي له روحاً .

العالم : هذا صحيح , ولكني اريد ان اعرف ما معني الذات والنطق والحياة عندكم ؟

الأسقف: إن الذات عندنا هي علة النطق والحياة , وإن الذات والدة النطق , والنطق مولود منها وباعثة للحياة والحياة منبعثة منها . فقولنا إن الذات والدة النطق فهي له آب بحيث انها والدة , وقولنا ان النطق مولود من الذات فهو ابن بحيث إنه مولود من الذات , وقولنا أن الحياة منبعثة من الذات فهي روح لها بحيث إنها منبعثة منها , هذا هو قولنا الأب والأبن والروح القدس , 
فقل لي ماذا تقول عن الذات والنطق والحياة هل الذات قائمة بالنطق أم قائمة بالحياة , أم هل النطق قائم بالذات أم بالحياة , أم هل الحياة قائمة بالذات أم  بالنطق ؟ 

العالم : لا مراء في أن الذات قائمة بذاتها وناطقة بخاصية النطق وحية بخاصية الحياة , وأن النطق قائم بالذات ذات الوجود ناطق بخاصيته حي بخاصية الحياة , وأان الحياة قائمة بذات الوجود , ناطقة بخاصية النطق  حية بخاصيتها .

الأسقف: هذا هو قولنا إن الذات والدة النطق فنقول إنه هو الأبن , والحياة منبعثة من الذات فنقول إنها الروح القدس و من أجل هذا نقول مثل قولك أن الأب قائم بذاته ناطق بخاصية الإبن الذي هو النطق حي بخاصية الحياة التي هي الروح القدس , وأن الحياة قائمة بخاصية الذات التي هي الأب ناطقة بخاصية النطق الذي هو الإبن وحية بخاصيتها التي هي  الروح القدس , وهذا هو قولنا الأب والإبن والروح القدس إله واحد .

العالم : حقا لقد مضت علي مدة أُحاول فهم عقيدة النصاري بدون جدوي اما الأن فعلمت ذلك يقيناً اذ ذكرت لي الذات والنطق والحياة وأظهرت لي أن ذات الله موجودة حية ناطقة وعرفتني أن الذات علة النطق والحياة , وأن النطق مولوداً من الذات , والحياة منبعثة من الذات, وأن الذات والدة النطق وباعثة الحياة . فبهذا تحققنا أن الذات تدعونه الأب لكونه والد النطق , والنطق تدعونه الإبن لكونه مولوداً من الذات , والحياة تدعونها روحاً لكونها منبعثة من الذات , ففهمنا الأن أن الله هو هو واحد بثلاث صفات وإن شئت بثلاث خواص أُعني الذات والنطق والحياة وإن شئت الأبوة والبنوة والروح القدس , فبناء علي ذلك أنتم تعتقدون في الله إعتقادا كاملا ولكن ما الذي احوجكم الي مثل هذا البحث العميق ولماذا لا نقول أن الله واحد دون البحث في غير ذلك ؟

الاسقف : لقد اضطرنا الي البحث في ذلك الهراطقة الذين ظهروا وعلموا تعاليم ملتوية عن الله , فمنهم من أذاع أن الله ذات واحدة بخاصية واحدة ووجه وواحد وجردوه من النطق والحياة , ومن قال ان نطق الذات الذي ندعوه ابناً هو مخلوق . ومن قال ان حياة ذات الله التي نسميها الروح القدس هو محدث وصيروا في جوهر اللاهوت خالقاً ومخلوقاً, وآخرون قالوا أن في الله ثلاثة آلهة يدعونهم معظماً واعظم منه , وغيرهم إن في السماء الهين هما إله النور وأله الظلمة , فاضطر علماؤنا تلقاء ذلك أن يحددوا الإيمان المسيحي ليوقفوا المبدعين عند حدهم .
والمبتدعون قال عنهم القرآن أنهم المشركون اذ قال " (73) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" <المائدة>,,, وقال ايضاً " فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)" <الصافات 149> ,,,, وقال ايضاً " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ"<المائدة116>
,,,,وقال "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ < الانعام101> ,,,,وقال "وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا <الجن 3>. فالمسيحية بريئة من هذا الإشراك لأنه كفر مبين .

وللأن توجد طائفة نصرانية تعتقد في الله بخلاف ما شرحت  لك فتعلم أن الله ذات موجودة وحية  ناطقة وتقول  أن ذات الوجود والدة النطق الذي هو كلمة الله , وان الحياة التي هي الروح القدس منبعثة من النطق والذات , فهل تري هذا التعليم صحيحا ؟

العالم : هذا الأعتقاد منقوض من كل وجه فلسفي وعقلي وشرعي , لأنه إن كان الله جوهراً واحداً ذا ذات واحدة ناطقة حية وأن الحياة والنطق صادران عن الذات الواحدة , النطق مولود والحياة منبعث منها , فكيف يقولون أن الحياة منبعثة من الذات , ومنبعثة من النطق , فقولهم يجعل في جوهر اللاهوت ذاتين أو بالحري علتين او آلهين , ويتكون علي رأيهم أن الذات أب والنطق إبن الذات والحياة أبنة النطق فينعكس عليهم دينهم ويبطل قولهم أن الاب آب فقط لكن يسمي أباً وجداً أعني اباً للنطق وجداً للحياة , ويبطل قولهم ايضا في الإبن إنه إبن فقط لأنه يصير إبناً للذات وأباً للحياة , فيكون علي هذا الإبن مولوداً ووالداً . ويبطل قولهم في الحياة إنها منبعثة من الذات فقط بل يقال منبعثة من النطق والنطق باعثاً لها , وبهذا يجعلون في اللاهوت مقادير , اي إنهم يقدرون أن نصف الحياة منبعثة من الذات والنصف الاخر من النطق , ويخرج من ذلك القول بأن الحياة روحان : واحد منبعث من الذات والآخر من النطق وإن كان ذلك كذلك يحتاج أن يكون للنطق نطق ومن ثم يصير لهما ذاتان فإلهان.
ولكن قل أيها الأسقف قلت أن النطق إبن الله فكيف تقولون عن سيدنا عيسي إنه ابن الله ايضا ؟ هل لله ابنان ؟ فعرفني علي اي نوع تدعون سيدنا عيسي ابن الله ؟


الاسقف : لقد سألتني سؤالاً يحتاج الي عقل خالي من الهيوليات فـصغ لما اقول : انت تعلم أن الإنسان  مثلاً له ذات ونطق وحياة , أعني جزء الحياة وجزء المائت وجزء النطق , لأن كل انسان هكذا حي مائت ناطق , وكل حي مائت ناطق إنسان فاذا اراد الإنسان مثلا أن يرسل كلمته الي بلد يلبسها جسماً لكي تظهر لأعين الناظرين , أعني أن تتحد كلمته بالمداد (الحبر), فههنا صار المداد كلمة , والكلمة صارت مداداً , واذ يرسلها مرسلها الي حيث يريد هناك تظهر الكلمة للكثيرين حتي أن كل واحد يقول لصاحبه قال فلان كذا وكذا وأمر بكذا وكذا وتصير الكلمة فاعلة بحسب إرادة مرسلها والكلمة حقا لم تنتقل من قلب مرسلها , هكذا نحن نعتقد أن الأب لما أراد أن يرسل كلمته لخلاص العالم أتت هذه الكلمة وحلت في احشاء العذراء واخذت من احشائها جسما كاملا ونفساً عاقلة وأتحدت بهما كلمة الله كاتحاد النفس بالجسد وكاتحاد الكلمة بالمداد , فمن اجل هذا نقول ابن الله المولود من الذات الازلية هو بعينه المولود من العذارء .







شاركه على جوجل بلس

عن telecom engineer

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك