لماذا لم يقم الله بعمل الفداء منذ أيام آدم ، حسب وعده الإلهي له ؟ لماذا تأخر آلاف السنين ، حتى أتم هذا الفداء ؟


لماذا لم يقم الله بعمل الفداء منذ أيام آدم ، حسب وعده الإلهي له ؟ لماذا تأخر آلاف السنين ، حتى أتم هذا الفداء ؟ 


لم يكن القصد مجرد عمل الفداء . و إنما بالأكثر إيمان الناس بهذا الفداء ، و بالمخلص الذي يفديهم .و بهذا يخلصون .
و هذا الأمر كان يلزمه مدي زمني لشرح عملية الفداء و تدريب الناس علي قبولها و علي محبة الله الذي يفديهم . و لو أن الأمر قد تم منذ آدم ما كان أحد قد فهمه و لا قبله . ثم من الذي يموت من أبناء آدم عوضاً عن الكل ؟!
كان لكل البشرية إذن أن تفهم فكرة الفداء ذاتها و هي :
مبدأ الكفارة (أي أن نفساً تموت عوضاً عن نفس) .
علي شرط أن تكون النفس التي تقوم بعملية الكفارة نفساً بارة بلا خطية . لأن النفس الخاطئة تموت عن خطيتها فلا تفدي أحداً . أما النفس البارة فيمكنها أن تموت عن غيرها . ولم يكن في البشرية أحد بار ، " الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ " ( مز 14 : 1 ، 2   ) . كان عليهم أن يعرفوا أن الخطية موجهة ضد الله . ومادام الله غير محدود ، إذن فالخطية الموجهة ضده غير محدودة . والكفارة التي تبذل لمغفرتها ينبغي أن تكون غير محدودة .ولا يوجد غير محدود إلا الله ،لذلك كان يجب أن يقوم الله بهذه الكفارة . فيعطي مغفرة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور . وهذا الأمر كان يعني عقيدة التجسد ...
وكل هذا كان يلزمه مدي زمني طويل لشرحه وتدريب الناس عليه . وهكذا بدأ الله يعلمهم فكرة الذبائح ولزومها لمغفرة الخطايا . وأخذ الناس يمارسون تقديم الذبائح حتى صارت هذه عقيدة مستقرة عندهم  .وكان يلزم أن يولد الفادي من عذراء ، حتى يكون قدوساً في ميلاده ، بغير زرع بشر ، فلا يرث الخطية الأصلية التي فسدت بها كل البشرية ، واستحقت العقوبة .
إذن كان يجب الإنتظار حتى تولد تلك العذراء القديسة التي تحتمل هذا المجد العظيم ، أن تكون وعاء للتجسد الإلهي .. و طبعاً انتظرت البشرية حتى تولد هذه القديسة .
وأيضاً كان لابد من انتظار فترة تتكامل فيها النبوات من جهة هذا المولود الفادي ،والظروف الخاصة به ، حتى يمكن أن تتعرف عليه البشرية و تعرف أن هذا هو المسيا المنتظر الذي سوف يخلصهم ويفديهم ، ويؤمنوا به فادياً ومخلصاً . وكان لابد ايضاً الإنتظار حتى يولد المعمدان الذي يهيئ الطريق قدامه بمعمودية التوبة .و احتاج هذا أيضاً إلى زمن .
وكان لا بد من نقل النبوات إلى لغة عالمية لكي يعرفها بها الناس . بل لا بد أن توجد تلك اللغة العالمية أولاً ( أي اليونانية ) التي ترجمت إليها كل كتب العهد القديم و ما تحمله من نبوءات و رموز . و كان ذلك في عهد بطليموس الثاني ( فيلادلفوس) في القرن الثالث قبل المسيح . وكان لا بد من الإنتظار أيضاً حتى يولد أولئك الذين يحملون مسئولية الكرازة و توصيلها إلى العالم كله بكل أمانة و دقة . و طبعاً استغرق كل ذلك وقتاً . لهذا قال القديس بولس الرسول عن التجسد الإلهي "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ" ( غل 4 : 4 )  هذا هو ملء الزمان ، الذي كملت فيه كل النبوءات و الرموز الخاصة بمجئ المسيح للفداء ، و كمل فيه استعداد البشرية لقبول رسالة الفداء ، و كمل إعداد الأشخاص الذين يخدمون الرسالة و نقلها إلى كل الناس .و بهذا حينما يتم الفداء يفهمه الناس و يؤمنون به . و من يؤمن به ينال الخلاص الذي اراد الله تقديمه للناس بالكفارة . و هكذا شرح السيد المسيح لتلاميذه جميع ما تكلم به الأنبياء من جهته و ابتدأ من موسي و من جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب (لو 24: 26  ) . و أراهم "هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ " ( لو 24 : 44 – 47  ).
تري لو كان الأمر قد بدأ قبل عصر الأنبياء ،و قبل إنتشار فكرة الكفارة و الذبيحة و الفداء ، من كان سيعرف ؟ و من كان سيؤمن ؟!
أم هل المقصود أن يتم الفداء ، و لا يلاحظه أحد ،و لا يدركه أحد ، و لا يؤمن به أحد؟! و لا يعرف أحد أنه " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ " ( يو 3 : 16 ).
إن أعمال الله كلها بحكمة ...وليست السرعة هي الهدف . إنما الهدف هو إيمان الناس بالفداء حينما يقوم به الله ، لكي بهذا الإيمان يخلص الجميع .و لكي يعرفوا مقدار محبة الله لهم التي جعلته يفديهم و يخلصهم . وفي هذا قال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولي " فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا " ( 1 يو 4 :10 ) . و من له أذنان للسمع فليسمع .
شاركه على جوجل بلس

عن telecom engineer

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك